وإذا استعرضنا البارزين من اعلام الفقه والحديث في جميع العواصم الإسلامية على عهد التابعين ، نجدهم بين من اخذ عن علي وابن عباس وبين من اخذ عن تلاميذهما. فسعيد بن المسيب وعكرمة وعطاء ومجاهد بن جبير ومسروق بن الأجدع وسعيد بن جبير والشعبي وحبيب بن ثابت وغيرهم من فقهاء التابعين في مختلف العواصم الإسلامية ، هؤلاء هم اقطاب الفقه عند اهل السنّة ، وهم بين من تلمذ على علي وابن عباس وبين من اخذ الفقه والحديث عمن اخذ عنهما ، كما يظهر ذلك من كتب الحديث والفقه والتفسير.
وليس بوسعنا ان نستقصي جميع آثار هذا الحبر الجليل ، الذي بلغ عمره اكثر من ثمانين عاما ، قضاه في نشر تعاليم الإسلام وبيان الحلال والحرام ، وملأت آراؤه في التفسير والفقه ، كتب الحديث والفقه وأصبح مصدرا لكل من جاء بعده من التابعين وتابعيهم (١).
ولا بد لنا في هذا الفصل من ذكر نبذ يسيرة من آرائه في الفقه ، لنعرف تماما الغرض الذي نهدف اليه في هذا الكتاب ، ونعني به دور التشيع في التشريع الإسلامي وأثره في ذلك. ومن ثم يتبين لنا ان الفقهاء من الشيعة مع اختلافهم مع غيرهم من فقهاء المسلمين أحيانا : اختلافا بينا ، لم يعتمدوا على غير الأصلين الكريمين : الكتاب والسنة ، منذ اليوم الأول لوفاة الرسول. وفي جميع مراحل نمو الفقه وتطوره ، مستلهمين في أجتهاداتهم وآرائهم مقاصد هذين الأصلين المقدسين عندهم وما يهدفان اليه من خير الانسان وسعادته كما يبدو ذلك من الأمثلة التالية :
__________________
(١) وذكر مصطفى عبد الرزاق في كتابه : (تمهيد لتاريخ الفلسفة). ان محمد بن موسى ابن يعقوب جمع فتيا عبد الله بن عباس ، فبلغت عشرين كتابا.