منها ، هذه النظرية تجعل الحاكم مسؤولا عن جميع أعماله وتصرفاته. ونظرية العدل ، التي تقرر استحالة الظلم من الخالق ، ولازمها عدم مساواة المجرم بغيره في الجزاء ، وان : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) ، وإلا كان ظالما لعباده.
هاتان النظريتان ، كانتا مسرحا للجدل والنقاش ، بين فرق المسلمين. وقد سلك فيهما الشيعة مسلكا يتفق مع القرآن وأحاديث الرسول ، ويجعل الانسان ، حاكما كان أو لم يكن ، مسؤولا عن جميع تصرفاته وأعماله ، بينما سلك فيهما غير الشيعة ، مسلكا يتفق مع هوى الحكام ورغباتهم ، لأنهم يرون فيه المبررات لتصرفاتهم وعدوانهم على كل من لا يقر سياستهم الجائرة. لذا فإن الحكام ، من الأمويين وغيرهم ، قد أمعنوا في تسخير الأفكار وشراء الضمائر ، وتقتيل فريق من فقهاء الشيعة ومفكريهم ، كيحيى بن ام الطويل وسعيد بن جبير وغيرهما ، ومراقبة الباقين منهم مراقبة دقيقة ، تحصي عليهم حتى أنفاسهم ، ليتم لهم اخضاع الناس لدولتهم والاعتراف بشرعية خلافتهم.
وكان من نتيجة ذلك ، ان الذين سلموا من الحجاج وغيره من الولاة ، كابن المسيّب والقاسم بن محمد وغيرهما ، كانوا يفتون بما يوافق العامة احيانا ، ويروون حتى عن أبي هريرة ، عميل الأمويين الأكبر. وظلموا يمارسون الحياة العلمية والنشاط الفكري ، الذي بدت طلائعه في ذاك العهد من حياة المسلمين. ومن اجل ذلك ، كان للفقهاء من الشيعة في هذا الدور طابع خاص ، لم يكن في الدور الذي تقدمه وتأخر عنه. ففي الدور الذي تقدمه ، وهو دور الصحابة ، كان لكل واحد من الصحابة ان يفتي بما سمعه عن الرسول ويحدث بما رواه عنه. وكل ما في الأمر ان من بيدهم سلطة التنفيذ ، لم يسهلوا الطريق لجميع الرواة