فلم يكن اثر المرأة في هذه الحياة بأقل من أثر الرجل ، ولم تكن فيها عاملا ثانويا ولا مجرد شهوة وموضع متعة ، وإنما هي عامل له من الأثر ما للرجال ، وإذا عرف كل منهما مكانه وقام برعاية واجبه ، استقام أمر الأسرة ومن وراء ذلك يستقيم أمر الجماعة ، وان الباحث في تعاليم الإسلام وسيرة رسوله الكريم يرى مقدار عنايته بها ورعايته لحقها ومساواتها للرجال في كل شيء حتى في المسجد والجمعة والجماعة ومجالس الوعظ والإرشاد ، ولم يكن يبخل عليها بنصائحه وإرشاداته إذا طلبت منه ذلك ، فوق ما يتاح لها أن تشهده مع الرجال ، وكثيرا ما كان يردد على مسامع أصحابه ما لها من آثار مجيدة في تكوين الأسرة وسعادة البيت.
أما من الناحية السياسية والاجتماعية ، فالتاريخ غني بالشواهد على ما سجلته من صفحات ناصعة وبطولات وتضحيات في سبيل الإسلام. ومنذ اللحظة الأولى كانت المرأة عاملا إيجابيا له أثره البالغ في تاريخ الإسلام ، فأول قلب غزاة هذا الدين المجيد بعد قلب علي (ع) هو قلب خديجة زوجة النبي (ص) وان الموقف الذي وقفته تلك السيدة الجليلة سيدة المسلمات الأولى من زوجها صاحب الدعوة ، والإسلام لم ينبلج نوره ولم يستبن بعد ضياؤه والعرب كلهم يتواثبون للنقمة منه ، هذا الموقف لم يقفه أحد من المسلمين ولا من بني عمه الأقربين إلا إذا استثنينا عليا (ع) غير هذه السيدة الجليلة لقد دخل عليها وقلبه يرتجف حينما أتاه الوحي لأول مرة في أول آية أنزلت عليه من القرآن المجيد : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) ، ولما قص عليها هذا النبإ ومدى خشيته من ذلك ، قالت له ببشاشتها التي اعتادت أن تقابله بها : «والله ، لا يحزنك الله أبدا ، إنك تصل الرحم وتحمل الكل وتقرئ