وفي هذا الخبر كفاية لمن تدبره وغنى في هذه المسألة لمن تصوره.
واعلم أنه لا فرق في العقول بين أن ترد العبادة بصلاة فيها ركوع وسجود وقيام وقعود وبين أن ترد بطواف وسعي وهرولة أو شيء ونحو ذلك من أسباب الخشوع وأفعال الخضوع.
ولا فرق أيضا بين ورودها باغتسال وصيام وبين ورودها بحلق الرأس والإحرام.
بل لا فرق بين المشي إلى مواضع العبادة والسجود على التكرار وبين السعي بين الصفا والمروة ورمي الحجار.
كل ذلك على حد واحد في التجويز وطريق مستمر في إمكان ما يرد به التكليف.
ولسنا نجد أهل ملة ولا ذوي نحلة إلا ولهم عبادات من هذا الجنس وإن اختلفت في الوصف.
وبعد فقد نرى العدو الشديد في بعض الأحيان يكون من التعظيم والإجلال وذاك أن ذا المنزلة الكبيرة والرتبة الجليلة إذا رآه من دونه توجه إليه مسرعا وعدا إليه مهرولا لائذا به مقبلا ليده فيكون فيما فعله قد عظمه وفضله.
وسواء سعيت إلى من تريد تعظيمه فتذللت بين يديه وخضعت له أو سعيت إلى حيث أمرك فتذللت به وخضعت عنده لا يختلف ذلك في أحكام العقول ولا يتعجب منه وينكره إلا من فقد التحصيل وألف ترك التمييز.
على أن منكر هذه العبادة والمتعجب منها إذا لم يقر بعبادة غيرها يجانسها لا يقدر على إنكار ما نشاهده من العقلاء في بعض الأحيان من الأفعال المضاهية لأفعال المجان (١) وهم فيها مصيبون وللمصلحة قاصدون مثل رجل حصيف لبيب حكيم لا يحسن منه العدو الشديد رأى طفلا يكاد
__________________
(١) لعله يريد به المجانين أو أصحاب المجون.