وأبو بكر قد سمع مثل ما سمعت ورأى أكثر مما رأت ولم يثق قلبه ولا سكنت نفسه فوضح الفرق بين حزنها وحزنه.
على أن ظاهر الآية تشهد بأن الله تعالى أمر أم موسى عليهم السلام أن تلقي ولدها في اليم وسكن قلبها عقيب الأمر في قوله سبحانه
(وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) القصص : ٧
فالخوف والحزن اللذان ورد ظاهر النهي عنهما يصح أن لا يكون وقعا منها لأن تسكين النفس بالسلامة إشارة بحسن العاقبة عقيب الأمر بالإلقاء يؤمن من وقوع الهم والحزن جميعا.
وأما حزن أبي بكر فقد وقع وأجمعت الأمة على أنه حزن وليس من فعل كمن لم يفعل فلا نقض بهما من كل وجه.
مبيت علي عليهم السلام في فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة
اعلم أن الذي فدى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه وجاد دونه بمهجته وفعل ما لا يسمح أحد بفعله مما تعجبت منه ملائكة الله في سمائه هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام.
وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تعاقد المشركون على مبايتته وأجمعوا على قتله أمره الله سبحانه بالخروج من ليلته لم ير أحدا أسرع إلى طاعته وأصبر على الشدائد في مرضاته من أمير المؤمنين عليهم السلام فدعاه إليه وأعلمه الخبر الذي وقف بالوحي عليه وأن القوم قد أجمعوا أمرهم على أن يهجموا عليه في حجرته ويقتلوه على فراشه وأن الله سبحانه أمره بالخروج إلى يثرب وقال له يا علي إذا صليت العشاء الآخرة فاضطجع على فراشي وتلف ببردتي ليظن المشركون إذا رأوك أني لم أخرج فلا يجدون في طلبي فأقامه مقاما مهولا وكلفه تكليفا عظيما لم يصبر على مثله إلا إسماعيل عليهم السلام لما قال له أبوه الخليل ص :