الفرق وأزاح العلة ونحن نورد مختصرا من القول فيها يكون فيه بيان وكفاية فنقول :
إن المعارضة بحزن النبي صلى الله عليه وسلم ساقطة لأنه عندنا معصوم من الزلات مأمون من جميع المعاصي والخطيئات فوجب أن يحمل قول الله تعالى (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) على أجمل الوجوه والأقسام وأحسن المعاني في الكلام من تخفيف الهم عنه وتسهيل صعوبة الأمر عليه رفقا به وإكراما وإجلالا وإعظاما له.
ولم يكن أبو بكر عندنا وعند خصومنا معصوما فيؤمن منه وقوع الخطأ وذلك أنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي حوزته بحيث اختار الله تعالى ستر نبيه وحفظ مهجته.
هذا وقد كان عليهم السلام يخبر من أسلم على يده بأن الله سينصره على عدوه ومعانده وأنه وعده إعلاء كلمته وإظهار شريعته وهذا يوجب الثقة بالسلامة وعدم الحزن والمخافة.
ثم ما ظهر له من الآيات الموجبة لسكون النفس وإزالة المخافة من نسج العنكبوت على باب الغار وتبيض الطائر هناك في الحال وقول النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى حزنه وكثرة هلعه وجزعه إن دخلوا من هاهنا وأشار إلى جانب الغار فانخرق وظهر له البحر وببعض هذا يأنس المستوحش وبنظره يطمئن الخائف فلم يسكن أبو بكر إلى شيء من ذلك وظهر منه الحزن والقلق ولا شبهة بعد هذا البيان تعترض في قبح حزنه.
وأما حزن أم موسى عليهم السلام فمفارق أيضا لحزنه لأن أحدا لا يشك في أن خوفها وحزنها إنما كان شفقة منها على ولدها لما أمرت بإلقائه في اليم ويجوز أن يكون لم تعلم في الحال بأنه سيسلم ويعود إليها على أفضل ما تؤمل فلحقها ما يلحق الوالدة على ولدها من الخوف والحزن لمفارقته فلما قال لها (لا تَخافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) اطمأنت عند ذلك وسكنت تصديقا للقول وثقة بالوعد.