وهذا التأويل في نفي القول لا يمنع من وقوع التساؤل والتلاوم بينهم الذي ليس لهم فيه حجة ولا يثمر فائدة.
فأما قوله سبحانه (وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) فالتأويل الحسن أن يحمل (يُؤْذَنُ لَهُمْ) على معنى أنه لا يسمع منهم ولا يقبل عذرهم.
والعلة في امتناع قبول عذرهم هي ما قد بينا من أنهم لا يعتذرون بعذر صحيح ولا يأتون بقول مصيب.
سؤال آخر :
فإن قال فقد قال الله تعالى في موضع من كتابه :
(وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) الصافات : ٢٤.
فأوجب السؤال وقال في موضع آخر :
(فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ) الرحمن : ١٥.
فنفى السؤال وظاهره متناقض واختلاف.
فالجواب :
أن السؤال الذي أوجبه سبحانه هو سؤال المطالبة بالواجبات وتضييع المفروضات.
والسؤال الذي نفاه عزوجل هو سؤال الاستعلام والمعنى في ذلك أن الله تعالى علم جميع ما فعلوه ولا يخفى عليه شيء مما أتوه فلا حاجة إلى السؤال عن ذنبهم ولا حاجة للملائكة أيضا إلى السؤال عن المذنب منهم لأن الله تعالى يجعل لهم سيماء يعرفون به وذلك قوله عزوجل :
(يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ) الرحمن : ٤١.
فصل مما ورد في ذكر النصف
روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
التودد إلى الناس نصف العقل.
وحسن السؤال نصف العلم.