الذي يدل على ذلك أنا وجدنا العالم محدثا ولا بد له من محدث ووجدنا من تجاوز هذا القول بأن المحدث له واحد فزعم أنه اثنان (١) لا نجد فرقا بينه وبين من زعم أنه ثلاثة وكذلك لا نجد فرقا بينه وبين من زعم أنه أربعة وكل عدة تجاوزت الواحد لا يقدر القائل بها على فرق بينه وبين من زاد فيها ولا نجد حجة توجب قوله دون قول خصمه فيها.
فلما فسد قول كل من ادعى الزيادة على الواحد وليس مع أحدهم رجحان بحجته وتكافأت أقوالهم في دعوى الزيادة دل على أن الصانع واحد لا أكثر من ذلك ولأن الدليل ثبت على وجود الصانع ولم يثبت على ما يزيد على واحد. (٢)
ثم عارض نفسه فقال :
إذا قال قائل إنكم قد تجدون دارا مبنية يدل بناؤها على أن لها بانيا ثم لا يجدون فرقا بين من زاد على واحد فقال إن بانيها اثنان وبين من قال ثلاثة وكذلك كل عدة حتى لا يتميز بعض الأقوال على بعض حجة أفتقطعون على أن صانع الدار واحد؟
وانفصل عن هذه المعارضة بأن قال إن المثبت للدار صانعا واحدا أو صانعين فقد نجد فرقا بينه وبين من زاد عليه ودليلا على قوله دون قول من خالفه وذلك أن صناع الدار يجوز أن يشاهدهم من شاهدها ويجوز أن يرد الخبر إليه بعددهم ممن شاهدهم يبنونها.
وليس كذلك صانع العالم وهذا فرق واضح بين الموضعين ولوضوحه يعلم بطلان مذهب الثنوية على اختلافهم والنصارى في التثليث ومن جرى مجراهم والحمد لله.
__________________
(١) في النسخة اثنين.
(٢) وخلاصته : أنه بعد العلم بوجود صانع للعالم فالواحد متيقن والزائد مشكوك ولا دليل عليه لكن هذا يرد عليه إن عدم العلم بالزائد لا يدلّ على عدم وجود الزائد والقضية متعلقة بالعقائد اليقينية لا بحكم ظاهري.