مما يعلمه العلماء. وإن قلنا : إنه مما لا يعلمه العلماء البتة ، فليس مما يتعلق به تكليف على حال. فإذا خرج عن ذلك ، خرج عن كونه دليلا على شيء من الأعمال ، فليس مما نحن فيه. وإن سلم ، فالقسم ، الذي لا يعلمه إلا الله تعالى في الشريعة ، نادر ، والنادر لا حكم له ، ولا تنخرم به الكلية المستدل عليها أيضا ، لأنه مما لا يهتدي العقل إلى فهمه ، وليس كلامنا فيه. إنما الكلام على ما يؤدي مفهوما ، لكن على خلاف المعقول. وفواتح السور خارجة عن ذلك ، لأنا نقطع أنها لو بينت لنا معانيها لم تكن إلا على مقتضى العقول ، وهو المطلوب.
وعن الثاني : إن المتشابهات ليست مما تعارض مقتضيات العقول وإن توهم بعض الناس فيها ذلك ، لأن من توهم فيها ذلك فبناء على اتباع هواه. كما نصت عليه الآية قوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ) [آل عمران : ٧] لا أنه بناء على أمر صحيح : فإنه إن كان كذلك فالتأويل فيه راجع إلى معقول موافق لا إلى مخالف. وإن فرض أنه مما لا يعلمها أحد إلا الله ، فالعقول عنها مصدودة لأمر خارجيّ ، لا لمخالفته لها. وهذا كما يأتي في الجملة الواحدة ، فكذلك يأتي في الكلام المحتوي على جمل كثيرة وأخبار بمعان كثيرة ، ربما يتوهم القاصر النظر ، فيها الاختلاف. وكذلك الأعجمي الطبع الذي يظن بنفسه العلم بما ينظر فيه وهو جاهل به. ومن هنا كان احتجاج نصارى نجران في التثليث ، ودعوى الملحدين ، على القرآن والسنة ، التناقض والمخالفة للعقول. وضمّوا إلى ذلك جهلهم بحكم التشريع ، فخاضوا حين لم يؤذن لهم في الخوض ، وفيما لم يجز لهم الخوض فيه ، فتاهوا. فإن القرآن والسنة ، لمّا كانا عربيين ، لم يكن لينظر فيهما إلا عربيّ. كما أنّ من لم يعرف مقاصدهما ، لم يحلّ له أن يتكلم فيهما. إذ لا يصح له نظر حتى كون عالما بهما. فإنه إذا كان كذلك لم يختلف عليه شيء من الشريعة. ولذلك مثال يتبين به المقصود وهو : إن نافع بن الأزرق سأل ابن عباس ، فقال له : إني أجد في القرآن أشياء تختلف عليّ ، فقال : (فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ) [المؤمنون : ١٠١] ، (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) [الصافات : ٢٧] ، (وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) [النساء : ٤٢] ، (رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ ..) [الأنعام : ٢٣] فقد كتموا في هذه الآية. وقال : (بَناها رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها ..) إلى قوله : (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) [النازعات : ٢٧ ـ ٣٠] فذكر خلق السماء قبل خلق الأرض. ثم قال : (أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ ...) [فصلت : ٩] إلى أن قال : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ) [فصلت : ١١] الآية