الجملة لا في التفصيل. بخلاف الكتاب فإنه مقطوع به في الجملة والتفصيل. والمقطوع به مقدم على المظنون. فلزم من ذلك تقديم الكتاب على السنة.
والثاني : أن السنة إما بيان للكتاب أو زيادة على ذلك. فإن كان بيانا فهو ثان على الوجه المبين في الاعتبار. إذ يلزم من سقوط المبيّن سقوط البيان ، ولا يلزم من سقوط البيان سقوط المبين. وما شأنه هذا فهو أولى في التقدم. وإن لم يكن بيانا فلا يعتبر إلا بعد أن لا يوجد في الكتاب. وذلك دليل على تقدم اعتبار الكتاب.
والثالث : ما دل على ذلك من الأخبار والآثار. كحديث معاذ : «بم تحكم؟ قال : بكتاب الله. قال : فإن لم تجد؟ قال : بسنة رسول الله. قال : فإن لم تجد؟ قال : اجتهد رأيي» (١). الحديث. وعن عمر بن الخطاب أنه كتب إلى شريح : «إذا أتاك أمر فاقض بما في كتاب الله. فإن أتاك ما ليس في كتاب الله فاقض بما سنّ فيه رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلخ» (٢). وفي رواية عنه : إذا وجدت شيئا في كتاب الله فاقض فيه ولا تلتفت إلى غيره. وقد بيّن معنى هذا في رواية أخرى أنه قال له : انظر ما تبين لك في كتاب الله فلا تسأل عنه أحدا. وما لم يتبين لك في كتاب الله فاتبع فيه سنة رسول الله صلىاللهعليهوسلم. ومثل هذا عن ابن مسعود : «من عرض له منكم قضاء فليقض بما في كتاب لله ، فإن جاءه ما ليس في كتاب الله فليقض بما قضى به نبيه صلىاللهعليهوسلم ...» (٣) الحديث. وعن ابن عباس (٤) أنه كان إذا سئل عن شيء ، فإن كان في كتاب الله قال به وإن لم
__________________
(١) أخرجه أبو داود في الأقضية ، باب اجتهاد الرأي في القضاء ، حديث رقم ٣٥٩٢. عن أناس من أهل حمص ، من أصحاب معاذ بن جبل أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما أراد أن يبعث معاذا إلى اليمن قال : «كيف تقضي إذا عرض لك قضاء»؟ قال : «أقضي بكتاب الله». قال : «فإن لم تجد في كتاب الله»؟ قال : فبسنة رسول الله صلىاللهعليهوسلم. قال : «فإن لم تجد في سنة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ولا في كتاب الله»؟ قال : أجتهد رأيي ولا آلو. فضرب رسول الله صلىاللهعليهوسلم صدره ، وقال : «الحمد لله الذي وفّق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله».
(٢) أخرجه الدارمي في سننه ، في المقدمة ، باب الفتيا وما فيه من الشدة.
(٣) أخرجه الدارمي في سننه ، في المقدمة ، باب الفتيا وما فيه من الشدة : عن عبد الله بن مسعود قال : أتى علينا زمان لسنا نقضي ولسنا هنالك. وإن الله قد قدّر من الأمر أن قد بلغنا ما ترون. فمن عرض له قضاء بعد اليوم فليقض فيه بما في كتاب الله عزوجل. فإن جاءه ما ليس في كتاب الله فليقض بما قضى به رسول الله صلىاللهعليهوسلم. فإن جاءه ما ليس في كتاب الله ، ولم يقض به رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فليقض بما قضى به الصالحون. ولا يقل إني أخاف وإني أرى. فإن الحرام بيّن والحلال بيّن ، وبين ذلك أمور مشتبهة. فدع ما يريبك إلى ما لا يريبك.
(٤) أخرجه الدارمي في سننه ، في المقدمة ، باب الفتيا وما فيه من الشدة. عن عبد الله بن أبي يزيد قال : كان ابن عباس إذا سئل عن الأمر ، فكان في القرآن أخبر به. وإن لم يكن في القرآن وكان عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أخبر به. فإن لم يكن فعن أبي بكر وعمر. فإن لم يكن قال فيه برأيه.