على أخيه. وهنا آثار في هذا المعنى حملها العلماء على تأويل القرآن بالرأي مع طرح السنن. وعليه حمل كثير من العلماء قول النبي صلىاللهعليهوسلم «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ولكن يقبض العلم بقبض العلماء. حتى إذا لم يبق عالما ، اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم ، فضلوا وأضلوا» (١) وما في معناه.
فإن كثيرا من أهل البدع هكذا فعلوا. اطرحوا الأحاديث وتأولوا كتاب الله على غير تأويله فضلوا وأضلوا. وربما ذكروا حديثا يعطي أن الحديث لا يلتفت إليه إلا إذا وافق كتاب الله تعالى. وذلك ما روي أنه عليهالسلام قال : «ما أتاكم عني فاعرضوه على كتاب الله. فإن وافق كتاب الله فأنا قلته وإن خالف كتاب الله فلم أقله أنا. وكيف أخالف كتاب الله وبه هداني الله؟».
قال عبد الرحمن بن مهديّ : الزنادقة والخوارج وضعوا ذلك الحديث. قالوا : وهذه الألفاظ لا تصح عنه صلىاللهعليهوسلم عند أهل العلم بصحيح النقل من سقيمه. وقد عارض هذا الحديث قوم فقالوا : نحن نعرضه على كتاب الله قبل كل شيء ونعتمد على ذلك. قالوا : فلما عرضناه على كتاب الله وجدناه مخالفا لكتاب الله. لأنا لم نجد في كتاب الله أن لا نقبل من حديث رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلا ما وافق كتاب الله ، بل وجدنا كتاب الله يطلق التأسّي به والأمر بطاعته ويحذر من المخالفة عن أمره ، جملة على كل حال. هذا مما يلزم القائل أن السنة راجعة إلى الكتاب.
ولقد ضلت بهذه الطريقة طوائف من المتأخرين كما كان ذلك فيمن تقدم. فالقول بها ، والميل إليها ميل عن الصراط المستقيم. أعاذنا الله من ذلك بمنه.
فالجواب إن هذه الوجوه المذكورة لا حجة فيها على خلاف ما تقدم.
أما الوجه الأول فلأنا إذا بنينا على أن السنة بيان للكتاب فلا بد أن تكون بيانا لما في الكتاب احتمال له ولغيره. فتبيّن السنة أحد الاحتمالين دون الآخر. فإذا عمل المكلف على وفق البيان أطاع الله فيما أراد بكلامه وأطاع رسوله في مقتضى بيانه. ولو عمل على مخالفة البيان عصى الله تعالى في عمله على مخالفة البيان. إذ صار
__________________
(١) أخرجه البخاري في العلم ، باب كيف يقبض العلم : عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من العباد. ولكن يقبض العلم بقبض العلماء. حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا ، فسئلوا فأفتوا بغير علم ، فضلوا ، وأضلوا».