الحقيقة قوله : «الإيمان بضع وسبعون شعبة» (١) وأما حديث (٢) جبريل فإن كان أراد بالإيمان ما ذكر مع الإسلام فهو كذلك. وهذا هو الذي أراده النبي صلىاللهعليهوسلم قطعا. كما أنه لما ذكر الإحسان ، أراد الإحسان مع الإيمان والإسلام. لم يرد أن الإحسان مجرد عن إيمان وإسلام. ولو قدّر أنه أريد بلفظ الإيمان مجرد التصديق ، فلم يقع ذلك إلا مع قرينة. فيلزم أن يكون مجازا. وهذا معلوم بالضرورة. لا يمكننا المنازعة فيه بعد تدبر القرآن والحديث. بخلاف كون لفظ الإيمان في اللغة مرادفا للتصديق. ودعوى أن الشارع لم يغيره ولم ينقله ، بل أراد به ما كان يريده أهل اللغة بلا تخصيص ولا تقييد ـ فإن هاتين المقدمتين لا يمكن الجزم بواحدة منهما. فلا يعارض اليقين. كيف؟ وقد عرف فساد كل واحدة من المقدمتين وأنها من أفسد الكلام. وأيضا. فليس لفظ الإيمان في دلالته على الأعمال المأمور بها ، بدون لفظ الصلاة والصيام والزكاة والحج ، وفي دلالته على الصلاة الشرعية والصيام الشرعيّ والحج الشرعيّ ـ سواء. قيل : إن الشارع نقله ، أو زاد الحكم دون الاسم. أو زاد الاسم وتصرف فيه تصرف أهل العرف أو خاطب الاسم مقيدا لا مطلقا. فإن قيل : الصلاة والحج ونحوهما ، لو ترك بعضها بطلت. بخلاف الإيمان فإنه لا يبطل عند الصحابة وأهل السنة والجماعة بمجرد الذنب. قيل : إن أراد بالبطلان أنه لا تبرأ الذمة منها كلها فكذلك الإيمان الواجب ، إذا ترك منه شيئا لم تبرأ الذمة منه كله. وإن أريد به وجوب الإعادة فهذا ليس على الإطلاق. فإن في الحج واجبات ، إذا تركها لم يعد. بل تجبر بدم. وكذلك في الصلاة عند أكثر العلماء إذا تركها سهوا أو مطلقا وجبت الإعادة. فإنما يجب إذا أمكنت الإعادة. وإلا فما تعذرت إعادته مطالبا به كالجمعة ونحوها. وإن أريد بذلك أنه لا يثاب على ما فعله ، فليس كذلك. بل قد بيّن النبيّ صلىاللهعليهوسلم في حديث المسيء في صلاته أنه إذا لم يتمها يثاب على ما فعل ، ولا يكون بمنزلة من لم يصلّ. وفي عدة أحاديث أن الفرائض تكمل يوم القيامة من النوافل. فإذا كانت الفرائض مجبورة بثواب النوافل دل على أنه يعتدّ له بما فعل منها. فكذلك الإيمان ، إذا ترك منه شيئا كان عليه فعله. إن كان محرّما تاب منه. وإن كان واجبا فعله. فإذا لم يفعله لم تبرأ ذمته منه. وأثيب على ما فعله كسائر العبادات. وقد دلت النصوص
__________________
(١) أخرج مسلم في الإيمان ، حديث ٥٧ ، عن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «الإيمان بضع وسبعون شعبة ، والحياء شعبة من الإيمان».
(٢) أخرجه البخاري في الإيمان ، باب سؤال جبريل النبي صلىاللهعليهوسلم عن الإيمان والإسلام والإحسان وعلم الساعة.