تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا) [آل عمران : ١٨٨] الآية ، وقال : لئن كان كل امرئ فرح بما أوتي وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا ، لنعذبن أجمعون. حتى بيّن له ابن عباس أن الآية نزلت في أهل الكتاب حين سألهم النبيّ صلىاللهعليهوسلم عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره ، وأروه أنهم أخبروه بما سألهم عنه واستحمدوا بذلك إليه ـ أخرجه الشيخان (١).
وحكي عن عثمان بن مظعون وعمرو بن معد يكرب أنهما كانا يقولان : الخمر مباحة ، ويحتجان بقوله : (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا ..) [المائدة : ٩٣] الآية ، ولو علما سبب نزولها لم يقولا ذلك. وهو أن ناسا قالوا ، لما حرّمت الخمر : كيف بمن قتلوا في سبيل الله وماتوا وكانوا يشربون الخمر وهي رجس؟ فنزلت ـ أخرجه أحمد والنسائي (٢) وغيرهما ـ.
ومن ذلك قوله تعالى : (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ) [الطلاق : ٤] فقد أشكل معنى هذا الشرط على بعض الأئمة حتى قال الظاهرية : بأن الآيسة لا عدة عليها إذا لم ترتب. وقد بين ذلك سبب النزول : وهو أنه لما نزلت الآية التي في سورة البقرة في عدد من النساء قالوا : قد بقي عدد من عدد النساء لم يذكرن ـ الصغار والكبار ـ أخرجه الحاكم عن أبيّ ـ فعلم بذلك أن الآية خطاب لمن لم يعلم ما حكمهن في العدة ، وارتاب هل عليهن عدة أو لا ، وهل عدتهن كاللاتي في سورة البقرة أو لا. فمعنى (إِنِ ارْتَبْتُمْ) إن أشكل عليكم حكمهن ، وجهلتم كيف يعتدّون ، فهذا حكمهن.
ومن ذلك قوله تعالى : (فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) [البقرة : ١١٥] فإنا لو
__________________
(١) أخرجه البخاريّ في التفسير ، سورة آل عمران ، باب (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا). عن ابن أبي مليكة أن علقمة بن وقاص أخبره أن مروان قال لبوابه : اذهب ، يا رافع ، إلى ابن عباس فقل له : لئن كان كل امرئ فرح بما أوتي وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذّبا ، لنعذّبن أجمعون. فقال ابن عباس : وما لكم ولهذه؟ إنما دعا النبيّ صلىاللهعليهوسلم يهود. فسألهم عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره ، فأروه أن قد استحمدوا إليه بما أخبروه عنه فيما سألهم ، وفرحوا بما أوتوا من كتمانهم.
(٢) أخرجه البخاريّ في التفسير ، سورة المائدة ، باب (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا). عن أنس رضي الله عنه : أن الخمر التي أهريقت الفضيخ. قال : كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة. فنزل تحريم الخمر فأمر مناديا فنادى. فقال أبو طلحة : اخرج فانظر ما هذا الصوت. قال : فخرجت فقلت : هذا مناد ينادي ألا إن الخمر قد حرّمت. فقال لي : اذهب فأهرقها.