الله ، المتعرض لغضبه. وفهم هذه المعاني مما يسهل على المؤمن من أي طبقة كان ، ومن أهل أيّ لغة كان. ومن الممكن أن يتناول كلّ أحد من القرآن بقدر ما يجذب نفسه إلى الخير ، ويصرفها عن الشر ، فإنّ الله تعالى أنزله لهدايتنا ، وهو يعلم منّا كلّ أنواع الضعف الذي نحن عليه. وهناك مرتبة تعلو على هذه وهي من فروض الكفاية.
للتفسير مراتب : أدناها أن يبين بالإجمال ما يشرب القلب عظمة الله تعالى وتنزيهه ، ويصرف النفس عن الشرّ ويجذبها إلى الخير ، وهذه هي التي قلنا إنها متيسرة لكلّ أحد (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) [القمر : ١٧] وأما المرتبة العليا فإنها لا تتم إلا بأمور.
أحدها : فهم حقائق الألفاظ المفردة التي أودعها القرآن ، بحيث يحقق المفسر ذلك من استعمالات أهل اللغة ، غير مكتف بقول فلان ، وفهم فلان ، فإن كثيرا من الألفاظ كانت تستعمل في زمن التنزيل لمعان ، ثم غلبت على غيرها بعد ذلك بزمن قريب أو بعيد ، من ذلك لفظ التأويل. اشتهر بمعنى التفسير مطلقا أو على وجه مخصوص. ولكنه جاء في القرآن بمعان أخرى ، كقوله تعالى : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ ، يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِ) [الأعراف : ٥٣] فما هذا التأويل؟
يجب على من يريد الفهم الصحيح أن يتبع الاصطلاحات التي حدثت في الملة ليفرق بينها وبين ما ورد في الكتاب. فكثيرا ما يفسر المفسرون كلمات القرآن بالاصطلاحات التي حدثت في الملة بعد القرون الثلاثة الأولى. فعلى المدقق أن يفسر القرآن بحسب المعاني التي كانت مستعملة في عصر نزوله. والأحسن أن يفهم اللفظ من القرآن نفسه. بأن يجمع ما تكرر في مواضع منه ، وينظر فيه. فربما استعمل بمعان مختلفة. كلفظ «الهداية» ـ سيأتي تفسيره في الفاتحة ـ وغيره ، ويحقق كيف يتفق معناه مع جملة معنى الآية ، فيعرف المعنى المطلوب من بين معانيه ، وقد قالوا : إنّ القرآن يفسّر بعضه ببعض. وإن أفضل قرينة تقوم على حقيقة معنى اللفظ : موافقته لما سبق له من القول ، واتفاقه مع جملة المعنى ، وائتلافه مع القصد الذي جاء له الكتاب بجملته.
ثانيها : الأساليب : فينبغي أن يكون عنده من علمها ما يفهم به هذه الأساليب الرفيعة ، وذلك يحصل بممارسة الكلام البليغ ومزاولته ، مع التفطن لنكته ومحاسنه