[غافر : ٦٠] ، فسماه عبادة.
وفي الخبر : «الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل» (١).
قال شمس الدين بن القيم : ولهذا كان العبد مأمورا في كل صلاة أن يقول : (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) والشيطان يأمر بالشرك ، والنفس تطيعه في ذلك ، فلا تزال النفس تلتفت إلى غير الله ، إما خوفا منه ، أو رجاء له ، فلا يزال العبد مفتقرا إلى تخليص توحيده من شوائب الشرك ، ولذا أخبر سبحانه عن المشركين أنهم ما قدروه حق قدره في ثلاثة مواضع من كتابه ، وكيف يقدره حق قدره من جعل له عدلا وندا يحبه ، ويخافه ، ويرجوه ، يذل ويخضع له ، ويهرب من سخطه ، ويؤثر مرضاته ، والمؤثر لا يرضى بإيثاره انتهى.
(فائدة) قال بعض السلف : الفاتحة سرّ القرآن ، وسرّها هذه الكلمة (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) : فالأول تبرّؤ من الشرك ، والثاني تبرّؤ من الحول والقوة ، والتفويض إلى الله عزوجل. وهذا المعنى في غير آية من القرآن كما قال تعالى : (فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ) [هود : ١٢٣] ، (قُلْ هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا) [الملك : ٢٩] ، (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً) [المزمل : ٩].
القول في تأويل قوله تعالى :
(اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ) (٦)
أي ألهمنا الطريق الهادي ، وأرشدنا إليه ، ووفقنا له.
قال الإمام الراغب في تفسيره : «الهداية دلالة بلطف. ومنه الهدية ، وهوادي الوحش وهي متقدّماتها لكونها هادية لسائرها. وخص ما كان دلالة بفعلت نحو : هديته الطريق ، وما كان من الإعطاء بأفعلت نحو أهديت الهدية ، ولما يصور العروس على وجهين : قيل فيه : هديت وأهديت. فإن قيل : كيف جعلت الهدى دلالة بلطف وقد قال تعالى : (فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ) [الصافات : ٢٣] وقال تعالى : (كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلى عَذابِ السَّعِيرِ) [الحج : ٤] قيل :
__________________
(١) أخرج الإمام أحمد في المسند ، ٤ / ٤٠٣. عن أبي موسى الأشعر ي قال : خطبنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ذات ليلة فقال : «أيها الناس. اتقوا هذا الشرك ، فإنه أخفى من دبيب النمل» فقال له من شاء أن يقول : وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله؟ قال : «قولوا : اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئا نعلمه ، ونستغفرك لما لا نعلم».