الذي لا يسبغ الوضوء ، أو الذي لا يتمّ الأركان ونحو ذلك. والمقتصد الذي يصلي في الوقت ـ كما أمر ـ والسابق بالخيرات الذي يصلي الصلاة بواجباتها ومستحباتها ويأتي بالنوافل المستحبة معها. وكذلك يقول مثل هذا في الزكاة والصوم والحج وسائر الواجبات. وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : التفسير على أربعة أوجه : تفسير تعرفه العرب من كلامها ، وتفسير لا يعذر أحد بجهالته ، وتفسير يعلمه العلماء ، وتفسير لا يعلمه إلّا الله ، فمن ادعى علمه فهو كاذب. والصحابة أخذوا عن الرسول لفظ القرآن ومعناه كما أخذوا عنه السنة ، وإن كان من الناس من غيّر السنة ، فمن الناس من غير بعض معاني القرآن ـ إذ لم يتمكن من تغيير لفظه. وأيضا فقد يخفى على بعض العلماء بعض معاني القرآن ، كما خفي عليه بعض السنة ، فيقع خطأ المجتهدين من هذا الباب والله أعلم.
وتقدم في مقدمة الكتاب بسط لهذا البحث فارجع إليه.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمهالله تعالى أيضا في تحقيق هذه الآية :
«كل عبد مضطر دائما إلى مقصود هذا الدعاء وهو هداية الصراط المستقيم. فإنه لا نجاة من العذاب إلّا بهذه الهداية ، ولا وصول إلى السعادة إلّا به ، فمن فاته هذا الهدى فهو : إما من المغضوب عليهم ، وإما من الضالين ، وهذا الاهتداء لا يحصل إلّا بهدى الله (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً) [الكهف : ١٧]. فإن الصراط المستقيم : أن تفعل في كل وقت ما أمرت به في ذلك الوقت من علم وعمل ، ولا تفعل ما نهيت عنه. وهذا يحتاج في كل وقت إلى أن تعلم : ما أمر به في ذلك الوقت ، وما نهى عنه ، وإلى أن يحصل لك إرادة جازمة لفعل المأمور ، وكراهة لترك المحظور. والصراط المستقيم قد فسّر بالقرآن والإسلام وطريق العبودية ، وكل هذا حق ، فهو موصوف بهذا وبغيره ، فحاجته إلى هذه الهداية ضرورية في سعادته ونجاته ، بخلاف الحاجة إلى الرزق والنصر ، فإن الله يرزقه ، وإن انقطع رزقه مات ـ والموت لا بدّ منه ـ فإن كان من أهل الهداية ، كان سعيدا بعد الموت ، وكان الموت موصلا له إلى السعادة الدائمة الأبدية ، فيكون رحمة في حقه. وكذلك النصر ـ إذا قدّر أنه قهر وغلب حتى قتل ـ فإذا كان من أهل الهداية إلى الاستقامة مات شهيدا ، وكان القتل من تمام نعمة الله عليه. فتبين أن حاجة العباد إلى الهدى أعظم من حاجتهم إلى الرزق والنصر ، بل لا نسبة بينهما ، فلهذا كان هذا الدعاء مفروضا عليهم في الصلاة ـ فرضها ونفلها ـ وأيضا فإن هذا الدعاء يتضمن الرزق والنصر :