تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) [يونس : ٥٧]. إلى غير ذلك ، مما دلّ على أن النفع به لا يناله إلا الإبرار. والمراد بالمتقين ـ هنا ـ من نعتهم الله تعالى بقوله
القول في تأويل قوله تعالى :
(الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) (٣)
(الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ) ، أي يصدقون (بِالْغَيْبِ) ، الغيب في الأصل مصدر غاب. بمعنى استتر واحتجب وخفي. وهو بمعنى الفاعل ـ كالزور للزائر ـ أطلق عليه مبالغة ، والمراد به ما لا يقع تحت الحواس ، ولا تقتضيه بداية العقول ، وإنما يعلم بخبر الأنبياء عليهمالسلام. والمعنى يؤمنون بما لا يتناوله حسّهم. كذاته تعالى ، وملائكته ، والجنّة ، والنار ، والعرش والكرسيّ ، واللوح ونحوها.
(وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) ، أي يؤدونها بحدودها وفروضها الظاهرة والباطنة. كالخشوع والمراقبة وتدبر المتلوّ والمقروء.
قال الراغب : إقامة الصلاة توفية حدودها ، وإدامتها. وتخصيص الإقامة تنبيه على أنه لم يرد إيقاعها فقط. لهذا ، لم يأمر بالصلاة ولم يمدح بها إلا بلفظ الإقامة نحو (أَقِمِ الصَّلاةَ) [هود : ١١٤] ، وقوله (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ) [الإسراء : ٧٨] ، و (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ) [المائدة : ٥٥]. ولم يقل : المصلي ، إلا في المنافقين : (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ) [الماعون : ٤ ـ ٥] ، وذلك تنبيه على أن المصلين كثير والمقيمين لها قليل ـ كما قال عمر رضي الله عنه : الحاجّ قليل والركب كثير ـ ولهذا قال عليهالسلام «من صلى ركعتين مقبلا بقلبه على ربه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه». فذكر مع قوله «صلّى» الإقبال بقلبه على الله تنبيها على معنى الإقامة ، وبذلك عظم ثوابه. وكثير من الأفعال التي حث تعالى على توفية حقه ، ذكره بلفظ الإقامة ، نحو (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) [المائدة : ٦٦] ، ونحو (وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ) [الرحمن : ٩] تنبيها على المحافظة على تعديله. انتهى.
فالإقامة من أقام العود إذا قوّمه. و «الصلاة» فعلة من صلّى إذا دعا ، ك «الزكاة» من زكى ـ وإنما كتبتا بالواو مراعاة للفظ المفخّم ـ وإنما سمي الفعل المخصوص بها لاشتماله على الدعاء.