القول في تأويل قوله تعالى :
(أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٥)
(أُولئِكَ) أي : المتصفون بما تقدّم. (عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) أي على نور من ربّهم ، وبرهان ، واستقامة ، وسداد ـ بتسديده إياهم وتوفيقه لهم ـ. (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) أي المنجحون ، المدركون ما طلبوا عند الله ـ بإيمانهم ـ من الفوز بالثواب ، والخلود في الجنات ، والنجاة مما أعدّ الله لأعدائه من العقاب.
القول في تأويل قوله تعالى :
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (٦)
لمّا بيّن تعالى نعوت المؤمنين قبل ، شرح أحوال مقابليهم وهم الكفرة المردة بأنهم : تناهوا في الغواية والضلال إلى حيث لا يجديهم الإنذار والتذكير ، كما قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَوَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ) [يونس : ٩٦ ـ ٩٧]. وكقوله سبحانه في المعاندين الكتابيين (وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ بِكُلِّ آيَةٍ ما تَبِعُوا قِبْلَتَكَ) [البقرة : ١٤٥] الآية.
و (سَواءٌ) اسم بمعنى : الاستواء ، وصف به ، كما يوصف بالمصادر ، مبالغة ، ومنه قوله تعالى : (تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ) بمعنى : مستوية.
و (الإنذار) الإعلام مع تخويف. والمراد هنا : التخويف من عذابه تعالى ، وانتقامه ، والاقتصار عليه لما أنهم ليسوا أهلا للبشارة ، ولأن الإنذار أوقع في القلوب ، ومن لم يتأثر به فلأن لا يرفع للبشارة رأسا ـ أولى.
وقوله (لا يُؤْمِنُونَ) جملة مستقلّة ، مؤكّدة لما قبلها ، مبيّنة لما فيه من إجمال ما فيه الاستواء.
القول في تأويل قوله تعالى :
(خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ
عَذابٌ عَظِيمٌ)(٧)
استئناف معلّل لما سبق من الحكم ، أو بيان وتأكيد له. والختم على الشيء : الاستيثاق منه بضرب الخاتم عليه. والمراد : إحداث حالة تجعلها ـ بسبب تماديهم