في الغيّ ، وانهماكهم في التقليد ، وإعراضهم عن منهاج النظر الصحيح ـ بحيث لا يؤثر فيها الإنذار ، ولا ينفذ فيها الحق أصلا.
قال أبو السعود : وإسناد إحداث تلك الحالة في قلوبهم إلى الله تعالى ، لاستناد جميع الحوادث عندنا ـ من حيث الخلق ـ إليه سبحانه. وورود الآية الكريمة ناعية عليهم سوء صنيعهم ، ووخامة عاقبتهم ، لكون أفعالهم ـ من حيث الكسب ـ مستندة إليهم. فإنّ خلقها منه سبحانه ليس بطريق الجبر ، بل بطريق الترتيب ـ على ما اقترفوه من القبائح ـ كما يعرب عنه قوله تعالى : (بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ) [النساء : ١٥٥] ونحو ذلك ، يعني كقوله تعالى : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) وقوله : (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ) [الأنعام : ١١٠].
وأما المعتزلة فقد سلكوا مسلك التأويل ، وذكروا في ذلك عدة من الأقاويل.
منها : أنّ القوم لما أعرضوا عن الحق ، وتمكّن ذلك في قلوبهم ، حتى صار كالطبيعة لهم ، شبه بالوصف الخلقيّ المجبول عليه.
ومنها : أن المراد به تمثيل قلوبهم بقلوب البهائم التي خلقها الله تعالى خالية عن الفطن ، أو بقلوب قدّر ختم الله تعالى عليها. كما في : سال به الوادي ـ إذا هلك ـ وطارت به العنقاء ـ إذا طالت غيبته ـ.
ومنها : أن أعراقهم لما رسخت في الكفر ، واستحكمت ، بحيث لم يبق إلى تحصيل إيمانهم طريق سوى الإلجاء والقسر ، ثم لم يفعل ذلك محافظة على حكمة التكليف ، عبرّ عن ذلك بالختم ، لأنه سدّ لطريق إيمانهم بالكلية. وفيه إشعار بترامي أمرهم في الغيّ والعناد.
ومنها : أن ذلك حكاية لما كانت الكفرة يقولونه. مثل قولهم : (قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ ، وَفِي آذانِنا وَقْرٌ ، وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ) [فصلت : ٥]. تهكّما بهم.
ومنها : أن ذلك في الآخرة ، وإنما أخبر عنه بالماضي لتحقّق وقوعه. ويعضده قوله تعالى : (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً) [الإسراء : ٩٧]. انتهى ملخصا.
(فائدة) قال الراغب : المراد بالقلب في كثير من الآيات : العقل والمعرفة.