حد مطلع. وفسر بأن الظهر والظاهر هو ظاهر التلاوة ، والباطن هو الفهم عن الله لمراده ، لأن الله تعالى قال : (فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) [النساء : ٧٨]. والمعنى لا يفهمون عن الله مراده من الخطاب ، ولم يرد أنهم لا يفهمون نفس الكلام. كيف وهو منزل بلسانهم؟ ولكن لم يحظوا بفهم مراد الله من الكلام ، وكان هذا هو معنى ما روي عن علي أنه سئل هل عندكم كتاب؟ فقال : لا ، إلا كتاب الله ، أو فهم أعطيه رجل مسلم ، أو ما في هذه الصحيفة (١). الحديث. وإليه يرجع تفسير الحسن للحديث إذ قال : الظهر هو الظاهر والباطن هو السر.
وقال تعالى : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [النساء : ٨٢]. فظاهر المعنى شيء ، وهم عارفون به لأنهم عرب. والمراد شيء آخر ، وهو الذي لا شك فيه أنه من عند الله. وإذا حصل التدبر لم يوجد في القرآن اختلاف البتة. فهذا الوجه الذي من جهته يفهم الاتفاق ، وينزاح الاختلاف هو الباطن المشار إليه. ولما قالوا في الحسنة : هذا من عند الله ، وفي السيئة : هذا من عند رسول الله ، بيّن لهم أن كلا من عند الله ، وأنهم لا يفقهون حديثا ، لكن بين الوجه الذي يتنزل عليه أن كلا من عند الله بقوله : (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ ..) [النساء : ٧٩] الآية. وقال تعالى : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) [محمد : ٢٤] فالتدبر إنما يكون لمن التفت إلى المقاصد. وذلك ظاهر أنهم أعرضوا عن مقاصد القرآن فلم يحصل منهم تدبر.
قال بعضهم : الكلام في القرآن على ضربين : أحدهما يكون برواية ، فليس يعتبر فيها إلا النقل. والآخر يقع بفهم فليس يكون إلا بلسان من الحق إظهار حكمة عن لسان العبد ، وهذا الكلام يشير إلى معنى كلام عليّ.
__________________
(١) أخرجه البخاريّ في الاعتصام باب ما يكره من التعمق والتنازع في العلم والغلوّ في الدين والبدع. عن إبراهيم التيميّ قال : حدثني أبي قال : خطبنا عليّ رضي الله عنه على منبر من آجرّ ، وعليه سيف ، فيه صحيفة معلقة. فقال : والله ، ما عندنا من كتاب يقرأ إلا كتاب الله. وما في هذه الصحيفة. فنشرها فإذا فيها : أسنان الإبل. وإذا فيها : المدينة حرم من عير إلى كذا (وكذا يعني ثورا. كما جاء في روايات أخرى متعددة) فمن أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا. وإذا فيه (كذا) : ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم. فمن أخفر مسلما عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا. وإذا فيها : من والى قوما بغير إذن مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا.