وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى ..) [النحل : ٩٠] إلى آخرها. وقوله تعالى : (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) [الأنعام : ١٥١] إلى انقضاء تلك الخصال. وقوله : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ) [الأعراف : ٣٢] وقوله : (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِ) [الأعراف : ٣٣] إلى غير ذلك من الآيات التي في هذا المعنى ، لكن أدرج فيها ما هو أولى ، من النهي عن الإشراك والتكذيب بأمور الآخرة ، وشبه ذلك مما هو المقصود الأعظم ، وأبطل لهم ما كانوا يعدونه كرما وأخلاقا حسنة ، وليس كذلك. أو فيه من المفاسد ما يربى على المصالح التي توهموها ، كما قال تعالى : (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ) [المائدة : ٩٠] ثم بين ما فيها من المفاسد ، خصوصا في الخمر والميسر من إيقاع العداوة والبغضاء ، والصدّ عن ذكر الله وعن الصلاة. وهذا في الفساد أعظم مما ظنوه فيها صلاحا. لأن الخمر كانت عندهم تشجع الجبان ، وتبعث البخيل على البذل ، وتنشط الكسالى. والميسر كذلك كان عندهم محمودا لما كانوا يقصدون به من إطعام الفقراء والمساكين ، والعطف على المحتاجين ، وقد قال تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) [البقرة : ٢١٩].
والشريعة إنما هي تخلّق بمكارم الأخلاق ، ولهذا قال عليهالسلام : «بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» (١). إلا أن مكارم الأخلاق على ضربين :
أحدهما : ما كان مألوفا وقريبا من المعقول المقبول ، كانوا في ابتداء الإسلام إنما خوطبوا به ثم لما رسخوا فيه. تمم لهم ما بقي ، وهو :
الضرب الثاني : وكان منه ما لا يفعل معناه من أول وهلة فأخّر حتى كان من آخره تحريم الربا وما أشبه ذلك ، وجميع ذلك راجع إلى مكارم الأخلاق. وهو الذي كان معهودا عندهم على الجملة. ألا ترى أنه كان للعرب أحكام عندهم في الجاهلية أقرها الإسلام. كما قالوا في القراض ، وتقدير الدية وضربها على العاقلة ، وإلحاق الولد بالقافة ، والوقوف بالمشعر الحرام ، والحكم في الخنثى ، وتوريث الولد ، للذكر مثل حظ الأنثيين ، والقسامة ، وغير ذلك مما ذكره العلماء. ثم نقول : لم يكتف بذلك حتى خوطبوا بدلائل التوحيد فيما يعرفون من سماء وأرض وجبال وسحاب ونبات ،
__________________
(١) عن مالك أنه بلغه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : بعثت لأتمم حسن الأخلاق.