وعن ابن مسعود : إن في النساء خمس آيات ما يسرني أن لي بها الدنيا وما فيها. ولقد علمت أن العلماء إذا مروا بها ما يعرفونها : قوله : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ) [النساء : ٣١] الآية. وقوله : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) [النساء : ٤٠] الآية. وقوله : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) [النساء : ٤٨] الآية. وقوله : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ) [النساء : ٦٤] الآية. وقوله : (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً) [النساء : ١١٠].
وأشياء من هذا القبيل كثيرة إذا تتبعت وجدت. فالقاعدة لا تطرد وإنما الذي يقال : إن كل موطن له ما يناسبه ، ولكل مقام مقال ، وهو الذي يطرد في علم البيان.
أما هذا التخصيص فلا. فالجواب : أن ما اعترض به غير صادّ عن سبيل ما تقدم. وعنه جوابان : إجماليّ وتفصيليّ. فالإجماليّ : أن يقال : إن الأمر العام والقانون الشائع هو ما تقدم فلا تنقضه الأفراد الجزئية الأقلية. لأن الكلية إذا كانت أكثرية في الوضعيات انعقدت كلية ، واعتمدت في الحكم بها. وعليها شاءت الأمور الهادية الجارية في الوجود. ولا شك أن ما اعترض به من ذلك قليل. يدل عليه الاستقراء. فليس بقادح فيما تأصّل. وأما التفصيليّ ، فإن قوله : (وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ) قضية عين في رجل معيّن من الكفار ، بسبب أمر معيّن من همزه النبيّ عليهالسلام وعيبه إياه. فهو إخبار عن جزائه على ذلك العمل القبيح. لا أنه أجري مجرى التخويف. فليس مما نحن فيه. وهذا الوجه جار في قوله : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى).
وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) [التوبة : ٦١] الآيتين ، جار على ما ذكر. وكذلك سورة والضحى [الضحى : ١ ـ ١١].
وقوله : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) [الشرح : ١] ، غير ما نحن فيه. بل هو أمر من الله للنبيّ عليهالسلام بالشكر لأجل ما أعطاه من المنح.
وقوله (أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ) [النور : ٢٢] ، قضية عين لأبي بكر الصديق ، نفس بها من كربه فيما أصابه بسبب الإفك المتقوّل على بنته عائشة. فجاء هذا الكلام كالتأنيس له والحضّ على إتمام مكارم الأخلاق ، وإدامتها ، بالإنفاق على قريبه المتصف بالمسكنة والهجرة. ولم يكن ذلك واجبا على أبي بكر. ولكن أحبّ الله له معالي الأخلاق.
وقوله : (لا تَقْنَطُوا) [الزمر : ٥٣] ، وما ذكر معها في المذاكرة المتقدمة ،