منه الأحكام الشرعية. إذ لم تنص آياته وسوره على ذلك مثل نصها على الأحكام بالأمر والنهي وغيرهما. وإنما فيه التنبيه على التعجيز أن يأتوا بسورة مثله. وذلك لا يختص به شيء من القرآن دون شيء ، ولا سورة دون سورة ، ولا نمط منه دون آخر. بل ماهيته هي المعجزة له حسبما نبه عليه قوله عليهالسلام : «ما من الأنبياء نبيّ إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر. وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إليّ. فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة» فهو بهيأته التي أنزله الله عليها دال على صدق الرسول عليهالسلام. وفيها عجز الفصحاء اللسن والخصماء اللّدّ عن الإتيان بما يماثله أو يدانيه. ووجه كونه معجزا لا يحتاج إلى تقريره في هذا الموضع. لأنه كيما تصور الإعجاز به ، فماهيته هي الدالة على ذلك. فإلى أي نحو منه ملت دلّك على صدق رسول الله صلىاللهعليهوسلم. فهذا القسم أيضا لا نظر فيه هنا وموضعه كتب الكلام.
وقسم هو مأخوذ من عادة الله تعالى في إنزاله وخطاب الخلق به ومعاملته لهم بالرفق والحسنى ، من جعله عربيا يدخل تحت نيل أفهامهم مع أنه المنزه القديم. وكونه تنزل لهم بالتقريب والملاطفة والتعليم في نفس المعاملة به قبل النظر إلى ما حواه من المعارف والخيرات. وهذا نظر خارج عما تضمنه القرآن من العلوم. وينبني صحة الأصل المذكور في كتاب الاجتهاد. وهو أصل التخلق بصفات الله والاقتداء بأفعاله. ويشتمل على أنواع من القواعد الأصلية والفوائد الفرعية والمحاسن الأدبية. فلنذكر منها أمثلة يستعان بها في فهم المراد. فمن ذلك عدم المؤاخذة قبل الإنذار. ودلّ على ذلك إخباره تعالى عن نفسه بقوله : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) [الإسراء : ١٥] فجرت عادته في خلقه أن لا يؤاخذ بالمخالفة إلا بعد إرسال الرسل. فإذا قامت الحجة عليهم. فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. ولكل جزاء مثله ، ومنها الإبلاغ في إقامة الحجة على ما خاطب به الخلق. فإنه تعالى أنزل القرآن برهانا في نفسه على صحة ما فيه. وزاد على يدي رسوله عليهالسلام من المعجزات ما فيه بعض الكفاية.
ومنها ترك الأخذ من أول مرة بالذنب ، والحلم عن تعجيل المعاندين بالعذاب ، مع تماديهم على الإباية والجحود ، بعد وضوح البرهان ، وإن استعجلوا به.
ومنها تحسين العبارة بالكناية ونحوها في المواطن التي يحتاج فيها إلى ذكر ما يستحي من ذكره في عادتنا. كقوله تعالى : (أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ) [النساء : ٤٣]. (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ) [التحريم : ١٢]. وقوله :