يغلب من غير دليل قام عليه ، وأما الذي يشدّه برهان ، فالقول به جائز.
وقال في المدخل : في هذا الحديث نظر ، وإن صح ، فإنما أراد به ـ والله أعلم ـ فقد أخطأ الطريق ، فسبيله أن يرجع في تفسير ألفاظه إلى أهل اللغة. وفي معرفة ناسخه ومنسوخه ، وسبب نزوله ، وما يحتاج فيه إلى بيانه ، إلى أخبار الصحابة الذين شاهدوا تنزيله ، وأدّوا إلينا من السنن ما يكون بيانا لكتاب الله تعالى. قال تعالى : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [النحل : ٤٤]. فما ورد بيانه عن صاحب الشرع ففيه كفاية عن فكرة من بعده ، وما لم يرد عنه بيانه ففيه حينئذ فكرة أهل العلم بعده ، ليستدلوا بما ورد بيانه على ما لم يرد. قال : وقد يكون المراد به من قال فيه برأيه من غير معرفة منه بأصول العلم وفروعه ، فيكون موافقته للصواب ، إن وافقه ، من حيث لا يعرفه ، غير محمودة.
وقال الماوردي : قد حمل بعض المتورعة هذا الحديث على ظاهره ، وامتنع من أن يستنبط معاني القرآن باجتهاده ، ولو صحبها الشواهد ، ولم يعارض شواهدها نص صريح. وهذا عدول عما تعبّدنا بمعرفته من النظر في القرآن ، واستنباط الأحكام ، كما قال تعالى : (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) [النساء : ٨٣] ولو صح ما ذهب إليه ، لم يعلم شيء بالاستنباط ، ولما فهم الأكثر من كتاب الله شيئا. وإن صح الحديث فتأويله أن من تكلم في القرآن بمجرد رأيه ، ولم يعرج على سوى لفظه ، وأصاب الحق ، فقد أخطأ الطريق ، وإصابته اتفاق. إذ الفرض أنه مجرد رأي لا شاهد له. وفي الحديث : «القرآن ذلول ذو وجوه فاحملوه على أحسن وجوهه» أخرجه أبو نعيم وغيره من حديث ابن عباس. فقوله «ذلول» يحتمل معنيين :
أحدهما : أنه مطيع لحامليه تنطق به ألسنتهم.
والثاني : أنه موضح لمعانيه حتى لا يقصر عنه أفهام المجتهدين.
وقوله : «ذو وجوه» يحتمل معنيين :
أحدهما : أن من ألفاظه ما يحتمل وجوها من التأويل.
والثاني : قد جمع وجوها من الأوامر والنواهي والترغيب والترهيب والتحريم.
وقوله : «فاحملوه على أحسن وجوهه» يحتمل معنيين :
أحدهما : الحمل على أحسن معانيه.
والثاني : أحسن ما فيه من العزائم دون الرخص ، والعفو دون الانتقام.