لأنه أخفاها مبالغة في الإخبار بعلمه بالإخفاء ، وهو خاص بالله تعالى لا يشاركه غيره ، أو يكون من عطف الخاص على العام.
قوله تعالى : (أَبَشَرٌ).
إن كان استفهاما حقيقة فعطف كفروا عليه تأسيس ، وإن كان بمعنى الإنكار فهو تأكيد لإفادة الأول كفرهم ، وعلى الأول يكون التولي حسيا ، أي تولوا عن إتباعه ونصرته ، وعلى الثاني : يكون معنويا ، أي تولوا عن الإيمان به إلى الكفر.
قوله تعالى : (وَاسْتَغْنَى اللهُ).
ابن عطية : السين في استفعل للطلب ، وهو هنا للتحقيق ، انتهى ، وعلى هذا يكون (وَاللهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) ، احتراسا خشية أن يتوهم أن السين هنا للطلب ، وقول الزمخشري : الآية توهم وجود الاستغناء والتولي معا لا وجه له ، لقوله في مفصله مع سيبويه إن الواو لمطلق الجمع دون معية ولا ترتيب ، إلا أن ابن مالك قال : ويترجح تأخير المؤخر بكثرة الاستعمال ، فسؤال الزمخشري إنما هو على الأكثر.
قوله تعالى : (يَسِيرٌ).
إما باعتبار قرب زمنه ، أو أنه هين كما قال ابن عطية.
قوله تعالى : (فَآمِنُوا بِاللهِ وَ) رسله.
إن قلت : الأصل تقديم [...] ؛ لأنه السبب فيما قبله ، فالجواب : أن المعجزة ما تظهر إلا على الرسول ، فوجدوا الرسول متقدم على وجود المعجزة ، إلا أن يقال : فرق بين دعوى الرسالة وبين الإيمان بها ، فدعوى الرسالة متقدم على المعجزة وما نحن نتكلم إلا في الإيمان بالرسول ، فإنه متأخر عن الإيمان بالمعجزة ، فيجاب عن السؤال : أن الآية خرجت مخرج الرد عليهم في إنكار البعث والمعاد ، فالقرآن إنما ذكر من حيث دلالته على صحة البعث والمعاد والإيمان بالبعث ، والمعاد متأخر عن الإيمان بالرسول.
قوله (يَوْمُ التَّغابُنِ) ، جعله الزمخشري : إفكا لأن الغبن في البيع ، هو البخس في ثمن السلعة ، فكان هؤلاء يبخسوا بمالهم تهكما بهم على أن الحاكم عادل فلا تبخس ، وجعله ابن عطية مجازا في إعادة لفظ التغابن ، لأن التفاعل يقتضي أن الغبن في الجهتين ، ويصح معنى التغابن باعتبار تفاوت درجات المؤمنين ، أو على العجز به بمعنى أن الإنسان مع نفسه تجرد بها نفسا آخر يتغابن معها.