إيمانهم وعصيانهم الرسول هو عدم تصديقهم بالنبوات ، فإن قلت : هلا قيل : رسول الله وسول الجبار فهو أبلغ في التخويف ، لأن معصية الإنسان لمن يعلم أنه جبار منتقم أدل على جزاءه وعدم خوفه ، فالجواب : أنه تقرير الفرق بين قولك عصى فلان فلانا فضربه ، وبين قولك عصا أباه فضربه ، فالثاني أشد لأن ضرب الأب ولده ، إنما يكون على شدة المخالفة ، وهو في الأكثر يسمح له ويتجاوز عنه ، فضربه له دليل على سوء عصيانه ومخالفته إياه.
قوله تعالى : (لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ).
فيه سؤال تقريره أن شروط الماء متى أخر عن شرطها واقع بعقبه ، وطغيان الماء مسبوق بفورانه ، فالحمل في السفينة بعد طغيان الماء المتأخر عن فورانه ، وقال في هود (وَقَدْ أَفْلَحَ) [سورة هود : ٦٤] ، (حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها) [سورة هود : ٤٠] ، فاقتضت الآية أن الحمل فيها يعقب الفوران ، فهو قبل الطغيان لا بعده ، وجوابه : أن الحمل فيها حالة كونها سائرة لقوله تعالى : (فِي الْجارِيَةِ) ، والحمل فيها المراد به أوائل الحمل ، وهو حالة كونها ذاكرة ، وهو متقدم على حالة سيرها ، ابن عطية : قال قتادة : علا الماء على كل شيء خمسة عشرة ذراعا ، انتهى ، مراده تحديد أقل العلو لا أكثره ، أي على شيء فعلا جبل في الأرض خمسة عشرة ذراعا ، وأما أخفض بقعة في الأرض فعلا عليها أكثر من ذلك ، وحكى ابن عطية عن منذر أنها سفينة نوح ، وعن المهدوي إن معناه في السفن الجارية انتهى ، والأول أصح لوجوه :
أحدهما : أن الخطاب لأهل مكة وليس ضدهم نحو.
الثاني : قرينة قوله تعالى : (طَغَى الْماءُ) ، فيدل على أنه زمن الطوفان في مدة نوح.
الثالث : أن الجارية لفظ مفرد إلا أن يقال : المراد به الجنس ، وفيه بعد ، فإن قلت : يلزم على الأول المجاز ، أي حملنا إياكم ، وعلى الثاني يكون حقيقة ، قلت : بل هو حقيقة في الجميع لأنا كنا في ظهر نوح عليهالسلام ومن معه.
قوله تعالى : (لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ).
قيل : التذكر متأخر عن سماع الخبر ، فهلا أخر عنه ، أجيب : بأن التذكر لمن أدرك سفينة نوح وشاهدها ، وكان فيها وسماع الخبر لمن بعد ، قيل : لو كان كذلك لقيل : ليجعلها لهم بضمير الغيبة ، أجيب : بأنه لما اشتملت اللفظ على مخاطب