قوله تعالى : (لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ).
قال ابن عطية : السخرية والاستهزاء أخف من السخرية ، فالاستهزاء عدم المبالاة به مع استحضاره ، قال تعالى (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) [سورة البقرة : ٦٧].
قال : ورأيت نحوه للسهيلي في الروض الأنف ، قلت : قال الزمخشري : في قوله تعالى : (فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا) [سورة المؤمنون : ١١٠] هو بالضم والكسر مصدر كالسخر إلا في باب النسب بزيادة قوة في الفعل كما فعل بالخصوصية والخصوص.
عن الكسائي والفراء : أن الكسر من الهمزة والمضموم من السخرية والعبودية والأول مذهب الخليل وسيبويه.
قوله تعالى : (عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ).
ابن عرفة : هذا إما تعليل للنهي أو نفي للفعل المعلل ، فهو إما راجع للاسخار ، أي لا تسخروا بقوم لتكونوا خير منهم ولا تسخروا بقوم ، وعلى الثاني حمله الزمخشري وغيره ، والقوم الرجال.
قيل لابن عرفة : يخرج منه سخرة الرجال بالنساء والنساء بالرجال ، فالصواب جعل القوم صادق على الرجال والنساء.
وقال ابن عرفة مرة أخرى : للقائل أن يقول لا يصح فغير القوم على الذكور لدلالة قوله تعالى : (وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ) لئلا يلزم عليه عدم استيفاء الآية للأقسام الممكنة فيها ، وهي أربعة رجال من رجال ، ونساء من نساء ، ورجال من نساء ، ونساء من رجال ، فإن خصصنا القوم بالذكور خرج الأخيران ، فإن جعلناه شاملا لهم وللإناث شمل الجميع ويكون قوله تعالى : (وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ) تأكيدا وهو أولى من كونه تأسيسا المستلزم لعدم كمال الفائدة.
قوله تعالى : (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ).
نقل الزمخشري : هنا عن الحسن أنه قال في الحجاج أتانا أخيفش أعيمش إلى أخره.
قال ابن عرفة : هذا لقوله صلّى الله عليه وعلى آله وسلم" لا غيبة في فاسق".
قيل لابن عرفة : هذا لا يصح لأن القاضي عياض حمل الحديث على غيبة الفاسق فيما كان به فاسقا ، يقال : ظلم في كذا بأفعاله الكسبيه لا بصفاته الخلقية التي لم يكن