لأمن فيه التأويل ، وقد قال بعض الناس فيمن تأول كلام الفارسي في رهبانية ابتدعوها على مذهب أهل السنة : أنه لوسع تأويله لبصق في وجهه.
قال : الوجه الثالث : أن يجعل من فسق غير مؤمن ، كما تقول للمتمول عن التجارة إلى الفلاحة بئس الحرفة الفلاحة بعد التجارة ، انتهى. أراد بئس الانتقال من الإيمان إلى الفسوق وهذا على مذهبه أيضا لأن الفاسق عنده كافر ، ولذلك ........ (١) بالانتقال من التجارة إلى الفلاحة لأنه سلب عنه اسم التجارة ووصفه بالفلاحة ، ونحن نقول : المراد بئس الانتقال من الإيمان الخالص الكامل إلى الإيمان المخالط.
وظاهر كلام الزمخشري أن التاجر أحسن من الفلاح ، وقال غيره : الفلاح أحسن لما يحصل من الأخروي فيما يصنع ويؤكل ، والتاجر لا يخلوا من تطفيف في الوزن أو حيف أو زيادة في الثمن بخلاف الفلاح ، وكان أكثر أهل المدينة فلاحين ، وأكثر أهل مكة تجارا ، وظاهر الآية أن التحدث في الناس بالمعايب ، وذكر ما لهم حرجه تسقط شهادة المتكلم بذلك لأن الآية دلت على أنه من الكبائر لأن الكبائر ما توعد على فعله.
قوله تعالى : (اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِ).
إن قلت : لم قيل : (اجْتَنِبُوا) بلفظ الأمر ، ولم يقل : لا تظنوا بلفظ النهي ، لأن اجتناب المنتهي أشد من فعل المأمور ، لقوله صلّى الله عليه وعلى آله وسلم : " إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه" (٢) ، ولأن النهي عند الأكثرين للتحريم بخلاف الأمر فإن فيه خلافا ، فالجواب : أنه لو قيل : لا تظنوا كان النهي عاما في جميع الظن ، والمراد إنما هو يعين الظنون ، فأتى فيه بلفظ الأمر وفي ضمنه النهي ، لأن مادة الاجتناب تدل عليه ، وعلق النهي بأكثر الظن لا بجميعه ، ولأن
__________________
(١) بياض في المخطوطة.
(٢) أخرجه مسلم بن الحجاج في صحيحه حديث رقم : ٢٣٨٥ ، ومحمد بن نصر المروزي في السنة حديث رقم : ١٠٩ ، وأبو نعيم الأصبهاني في المسند المستخرج على صحيح مسلم حديث رقم : ٢٨٤٨ ، وابن حبان في صحيحه حديث رقم : ٣٧٨٩ ، والبيهقي في السنن الكبرى حديث رقم : ٨٠٠٣ ، ١٢٦٥٧ ، والبيهقي في السنن الصغير حديث رقم : ٦٧٣ ، وأحمد بن حنبل في مسنده حديث رقم : ١٠٣٧٥.