وقال بعضهم : إن هذه الآية تدل على أن الذرية لن .. (١) بهم الآباء هم الذين آمنوا وماتوا على الإيمان وهم غير عاصين أو عاصين تائبين ، وأما غير التائبين فإنهم لا يلحقون بآبائهم بل (كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ).
فإن قلت : هل تدل الآية على الكسب الذي ينسبه أهل السنة للعبد ، قلت : لا لأن الكسب هنا مما يذكرونه ، فإن قلت : لم عدل عن صريح المطابقة فلم يقل بما عمل رهين ، كما قال تعالى (وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) فالجواب : أن العمل أعم والكسب أخص أو لا يطلق إلا على عمل المكلف ، ولما كان الأول اتصافا وتقرير النعم الله وفضله [٧١ / ٣٤٧] على العبد ذكر العمل الذي هو أعم ، إذ هو أبلغ في مقام الامتنان ولما كان الثاني في معرض التهديد علقه بالأخص.
قوله تعالى : (وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ).
جاء هذا مطلقا ، وفي سورة الواقعة (وَلَحْمِ طَيْرٍ) [سورة الواقعة : ٢١] ، فيحتمل هذا الإطلاق وأن يقيد بتلك ، وفي ذكر الفاكهة ، واللحم أنه جاء بأن طعام الجنة إنما هو للتفكه ، لأنه لا يطلب اللحم والفاكهة ، إلا من شبع وأراد التفكه.
فإن قلت : هلا قيل : ممن يشتهي ، فهو أعم وأبلغ ، قلت : المراد حصول مرادهم في كل شيء.
قوله تعالى : (يَتَنازَعُونَ فِيها كَأْساً).
إن قلت : ذكر التنازع في شرب الخمر دون الأكل ، قلت : لأن عادة العرب بيسارة الأكل دون شرب الخمر ، فذكر التنازع في الخمر المقتضي للاستنكار منها دون الطعام والماء جريا على المألوف ، والتنازع أن يطلب كل واحد من صاحبه الكأس ليشرب منها ، ثم لما كان التنازع قد يؤدي التشاجر بين النداء ما في الدنيا أحترز منه ، بقوله تعالى : (لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ) ، ولذا قيده إلى التنازع ، بقوله : فيها دون ما قبله ، فلم يقل : وأمددناهم فيها ، إشارة إلى مخالفة حال الآخرة ، لحال الدنيا ، وأن التنازع السالم عن اللغو والقائم إنما هو في الجنة ، وتنازعهم إنما هو في الخمر ، لا في الكأس ، فهو من باب تسمية المحل باسم الحال فيه.
قوله تعالى : (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ).
__________________
(١) طمس في المخطوطة.