ولقد فعلت ويدي تتقلب على اليواقيت ، وعيني تغوص في اللمعان ، فما حسبتني أخرج من معدن البلاغة بكلمة لفرط ما تحيرت في التخير ، فخذ هذه (المائة) وتذكر أنها لَمحَات من نُوْرٍ (١) وزهراتٌ مِنْ نَوْرٍ (٢) ففي نهج البلاغة من نعم الله على العربية وأهلها أكثر بكثير من مائة كلمة) الخ.
يصف هذا الكتاب وغيره كَلِمَ الإمام عليهالسلام بالدر والياقوت والجوهر وَأَنَّى لهذه الأحجار الغالية مزايا الحكمة العالية ، ومن أين لها أن تهدي الحيارى في سبيل الحياة ومسالكها الشائكة ومن اين لها الوساطة بين الجهل والعلم وربط الإنسان بعالم اللاهوت أو أن تكشف للبصائر أسرار الملكوت عدا ما لهذه الكلم من إطراب القلوب فإنَّ لسامعي هذه الخطب والكلم اهتزازَ وَجْدٍ وتَماُيلَ طَرَبٍ محسوسَين ، وذلك برهانان لتفوّق الغناء الروحي على نغمات قيثارة مادية ، بلى إنَّ النغمات الموسيقية وأغانيها تتلاشى وتبيد بمرور الزمن ورنَّة النغم من كلم الإمام خالدة الأثر عميقة التأثير. ومن شاء أن يعرف أن يعرف أن الحروف كيف تطرب ، وأن الكلمة كيف تجذب ، وأن الكلام كيف يكهرب ، فيقرأ نهج البلاغة وهذه الجمل أمثولة منه إذ يقول في وصف الجنة بعد وصف الطاووس عجيب خلقته :
«فلو رميت ببصر قلبك نحو ما يوصف لك منها لغرقت نفسك من بدائع ما أخرج إلى الدنيا من شهواتها ولذاتها وزخارف مناظرها ولذهلت بالفكر في اصطفاق أشجار غيبت عروقها في كثبان المسك على سواحل أنهارها وفي تعليق كبائس اللؤلو الرطب في عساليجها وأفنانها وطلوع
__________________
(١) النُّوْرُ بضّم النُّونِ : الضَياءُ.
(٢) النَّوْرُ بفتَحِ النَّوْنِ : الزَّهْرُ الأبيضُ ، وَقْيلَ : الزَّهْرُ مُطْلَقاً.