كتب الإنشاء ومنشآت البلغاء ، واعترفوا ببلوغه حدّ الإعجاز وأنه فوق كلام المخلوقين ودون كلام الخالق المتعال وأعجبوا به أقصى الإعجاب وشهدت ألسنتهم بدهشة عقولهم من عظمة اضاء سنا برقها من ثنايا الخطب ومزايا الجمل. وليس إعجاب الأدباء بانسجام لفظه وحده ولا دهشة العلماء من تفوق معانيه البليغة حدّ الإعجاز فقط وإنما الإعجاب كله والدهشة كلها في تنوع المناحي في هذه الخطب والكلم واختلاف المرامي والأغراض فيها ، فمن وعظ ونصح وزهد وزجر إلى تنبيه حربي واستنهاض للجهاد إلى تعليم فني ودروس ضافية في هيئة الأفلاك وأبواب النجوم وخالقه وتفنن في المعارف الإلهية وترسل في التوحيد وصفة المبدأ والمعاد إلى توسع في أصول الإدارة وسياسة المدن والأمم إلى تثقيف النفوس بالفضائل وقواعد الاجتماع وآداب المعاشرة ومكارم الأخلاق إلى وصف شعري لظواهر الحياة وغير ذلك من شتى المناحي المتجلية في نهج البلاغة بأرقى المظاهر!
والإمام نراه الإمام في كل ضرب من ضروب الاتجاه ؛ وعبقرية الإمام ظاهرة التفوق على الجميع ، بينما نرى أفذاذ الرجل يجدون في أَوْجُهِ الكمال فلا يبلغونه الإ من الوجه الواحد ...
وقد وصف العلامة مفتي الديار المصرية ومصلحها الشيخ محمد عبده (١) في مقدمة شرحه إعجابه باختلاف المناحي العالمية لنهج البلاغة
__________________
(١) الشيخ محمد عبده بن حسن خيرالله ، من آل التركماني ، ولد في شنرا من قرى الغربية بمصر سنة ١٢٦٦ هـ ، مفتي الديار المصرية ، ومن كبار رجال الإصلاح والتجديد في