بعد تدبر وتصفح للكتاب : فقال :
(يخيل لي أن حروباً شَبَّتْ وغارات شُنَّتْ وأن للبلاغة دولة وللفصاحة وصولة وأن للأوهام عرامة وللريب دعارة وأن جحافل الخطابة وكتائب الذرابة في عقود النظام وصفوف الانتظام تنافع بالصفيح الابلج والقويم الأملح وتتملج المهج برواضح الحجج فتقل دعارة الوسواس وتصيب مقاتل الخوائس فما أنا إلا والحق منتصر والباطل منكسر ورمج الشك في خمود وهرج الريب في ركود ، وأن مدبر تلك الدولة وباسل تلك الصولة هو حامل لوائها الغالب أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليهالسلام: بل كنت كلما انتقلت من موضع إلى موضع أحسس بتغيير المشاهد وتحول المعاهد ، فتارة كنت أجدني في عالم يعمره من المعاني أرواح عالية في حلل من العبارات الزاهية تطوف على النفوس الزاكية وتدنو من القلوب الضافية ، توحي إليها رشادها وتقوم منها مرادها وتنفر بها عن مداحض المزال إلى جواد الفضل والكمال ، وطوراً كانت تكشف إلى الجمل عن وجود باسرة وأنياب كاشرة وأرواح في أشباح النمور ومخالب النسور قد تحفزت للوثاب ثم انقضت للاختلاب فخبلت القلوب عن هواها وأخذت الخواطر دون مرماها واغتالت فاسد الأهواء وباطل الآراء.
وأحياناً كنت أشهد أن عقلاً نورانياً لا يشبه خلقاً جسدانياً فصل عن الموكب الإلهي واتصل بالروح الإنساني فخلعهُ عن غاشيات الطبيعة وسما به إلى الملكوت الأعلى ونما به إلى مشهد النور الأجلى وسكن به إلى
__________________
الأسلام ، له كتاب الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية وكتاب شرح نهج البلاغة وكتاب الإسلام على منتقديه وغيرها ، توفي بمصر سنة ١٣٢٣هـ. الأعلام : ج ٦ / ٢٥٢.