في حياته ، والاخرى للتّابعين له بعد وفاته ، لأنّه كافر والدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر. وإنّما جعل الجنّتين له لأنّه هو الذي أنشأها وغرس أشجارها وأجرى أنهارها وأخرج أثمارها ، وذلك على سبيل المجاز إذا جعل الجنّة هي الدنيا ، ومعنى ذلك أنّ الدنيا استوثقت له ولأتباعه ليتمتّعوا بها حتّى حين. ثم قال تعالى : (فَقالَ) أي صاحب الجنّة (لِصاحِبِهِ) وهو عليّ عليهالسلام (أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مالاً) أي دنيا وسلطانا (وَأَعَزُّ نَفَراً) أي عشيرة وأعوانا (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ) أي دخل في دنياه وانغمر فيها وابتهج بها وركن إليها (وَهُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ) بقوله وفعله ؛ ولم يكفه ذلك حتّى (قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً) أي جنّته ودنياه. ثمّ كشف عن اعتقاده فقال : (وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي) كما تزعمون أنتم مردا إلى الله (لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها) أي من جنّته (مُنْقَلَباً* قالَ لَهُ صاحِبُهُ) وهو عليّ عليهالسلام (أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً* لكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي) معنى ذلك أنّك إن كفرت أنت بربّك فإنّي أنا أقول : هو الله ربّي وخالقي ورازقي (وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً).
ثمّ دلّه على ما كان أولى لو قاله فقال له : (وَلَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللهُ) كان في جميع اموري و (لا قُوَّةَ) لي عليها (إِلَّا بِاللهِ). ثمّ إنّه عليهالسلام رجع القول إلى نفسه فقال له : (إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَوَلَداً) أي فقيرا محتاجا إلى الله ومع ذلك (فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ) ودنياك في الدنيا بقيام ولدي القائم دولة وملكا وسلطانا ، وفي الآخرة حكما وشفاعة وجنانا ومن الله رضوانا (وَيُرْسِلَ عَلَيْها) أي على جنّتك (حُسْباناً مِنَ السَّماءِ) أي عذابا ونيرانا فتحرقها أو سيفا من سيوف القائم فيمحقها (فَتُصْبِحَ صَعِيداً) أي أرضا لا نبات فيها (زَلَقاً) أي يزلق الماشي عليها (وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ) التي أثمرتها جنّته يعني ذهبت دنياه وسلطانه (فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما أَنْفَقَ فِيها) من دينه ودنياه