[قسطا و] عدلا كما ملئت جورا وظلما ومن آياته : الغيبة والاكتتام عند عموم الطغيان ، وحلول الانتقام ، ولو كان هذا الأمر الذي عرّفتك نبأه للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم دون غيره ، لكان الخطاب يدلّ على فعل ماض غير دائم ولا مستقبل ، ولقال : نزلت الملائكة ، وفرق كلّ أمر حكيم ، ولم يقل (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ)(١) و (يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ)(٢) قد زاد جلّ ذكره في التبيان وإثبات الحجّة بقوله في أصفيائه وأوليائه عليهمالسلام : (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ)(٣) ، تعريفا للخليقة قربهم ، ألا ترى أنك تقول : فلان إلى جنب فلان ، إذا أردت أن تصف قربه منه؟
وإنّما جعل الله تبارك وتعالى في كتابه هذه الرموز التي لا يعلمها غيره وغير أنبيائه وحججه في أرضه ، لعلمه بما يحدثه في كتابه المبدّلون من إسقاط أسماء حججه منه ، وتلبيسهم ذلك على الأمّة ، ليعينوهم على باطلهم ، فأثبت فيه الرموز ، وأعمى قلوبهم وأبصارهم ، لما عليهم في تركها وترك غيرها من الخطاب الدالّ على ما أحدثوه فيه ، وجعل أهل الكتاب القائمين (٤) به والعالمين بظاهره وباطنه ، من شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء ، تؤتي أكلها كلّ حين بإذن ربّها ، أي يظهر مثل هذا العلم لمحتمليه في الوقت بعد الوقت ، وجعل أعداءها أهل الشجرة الملعونة الذين حاولوا إطفاء نور الله بأفواههم فأبى الله إلّا أن يتمّ نوره. ولو علم المنافقون لعنهم الله ما عليهم من ترك هذه الآيات التي بيّنت لك تأويلها ، لأسقطوها مع ما أسقطوا منه ، ولكنّ الله تبارك اسمه ماض حكمه بايجاب الحجّة
__________________
(١) القدر ٩٧ : ٤.
(٢) الدخان ٤٤ : ٤.
(٣) الزمر ٣٩ : ٥٦.
(٤) في المصدر : المقيمين.