الختم الطبع ، فهؤلاء مطبوعون على الكفر ، لا رجاء لهم ، والطبع في العين ، ومن العين إلى القلب والسمع والبصر ، إذ لطيفة الإنسان عين ، والعين جامعة للضدين ، وعذاب المطبوع بالكفر هو من نوع طبعه ، فهو في تجانس مع طبعه كتجانس أهل النار مع النار.
٨ ، ٩ ـ (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (٨) يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ (٩))
[البقرة : ٨ ، ٩]
الفريق الثالث من الناس هم المنافقون ، وهؤلاء أصحاب قلوب متقلبة لا ثبات لها على حال ، وتقلبهم في القبضة ، إذ سبحانه له الأمر من قبل ومن بعد ، وفي قبضته التقلب ، ولو شاء لقلب المنافقين مؤمنين ، سبحانه أعطى كل ذي حق حقه من اليقين.
١٠ ، ٢٠ ـ (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْذِبُونَ (١٠) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ (١١) أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ (١٢) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ (١٣) وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (١٤) اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١٥) أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (١٦) مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ (١٧) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ (١٨) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ فِيهِ ظُلُماتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ (١٩) يَكادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصارَهُمْ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قامُوا وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٠))
[البقرة : ١٠ ، ٢٠]
الحديث عن أصحاب الضلالة الذين يتقلبون بين النور والظلمة فلا يميزون بينهما لغلبة الرين على قلوبهم ، والقلب في مجال التقلب لا حقيقة له إلا ما تسول له نفسه ، ودليل هؤلاء الفكر ووهمه وخياله ، والطرق التي يشقها ويعبدها ويدعو القلب للسير عليها ، وليس للفكر من دليل يستند إليه ويقوم به إلا الظن ، والظن لا يغني عن الحقيقة شيئا ، وترى أصحاب الفكر يسخرون من أصحاب العقيدة ويستهزئون ، لأن هؤلاء في زعمهم هم الذين يتبعون الظن لا التفكير الصحيح القائم على التحليل والتركيب والربط بين المقدمات والنتائج ، وأكبر دليل على هذا موقف العقلانيين من الصوفيين أصحاب الكشف والذوق ، فكم تهجم هؤلاء على أرباب الحقيقة المكاشفين ، ولكم باؤوا بالفشل والخذلان ، إذ حكم بعضهم على بعض ، وخطأ بعضهم بعضا ، حتى آل الجميع إلى نار الفرقة والخلاف.