بالرب ، وفي هذه الدرجة يكون للعبد أنية أي وجود ، والدرجة الثانية ذكر الرب للعبد ، وهو ذكر تطلب فيه الربوبية ممارسة قواها ، فهذا ذكر المربوبية وهو ذكر الفعل ، لذلك وصف العبد الذاكر في هذا الحال بأنه قاعد ، والملاحظ أن القيام والقعود واردان في الصلاة ويشهد العبد في القعود أن الله يصلي على النبي كما صلى على إبراهيم ، والمعنى صلة الرب بالعبد لتحقيق الفعل ، أما الذكر الثالث فهو ذكر فناء الأنية ، الأنا وذلك بانكشاف حقيقة الذات ، وهذا الذكر ذو شعبين ، شعب يضم العموم كأمة ، وذلك من تأثير الروح في القلب في النوم برؤية المنامات ، ولهذا جاء في الآية قوله : (وَعَلى جُنُوبِهِمْ) أي نائمون ... وشعب للخاصة ، وفيه يرى الذاكر الناس نياما أو موتى قائمين بالروح.
وقال البسطامي في هذا المقام : رأيت الناس موتى فكبرت عليهم أربع تكبيرات ، والفاني لا يعود يرى من الذكر ذاكرا إلا الله ، منه وإليه ، منه باعتباره الأصل والمقوم ، وإليه باعتبار النفس مرآته التي يعرض فيها قواه ، ثم يستعرض ما عرض ، ولهذا يقال في هذا الذكر أن الحق هو الذاكر باعتباره الفاعل والموحي ، والملهم ، فيكون الذاكر فد فني في المذكور.
والهدف من الذاكر الوقاية من عذاب النار ، لأن النار حجاب ، والذكر في أعلى درجاته رفع الحجاب أي الوقاية من النار.
١٩٢ ـ (رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (١٩٢))
[آل عمران : ١٩٢]
لا خزي للإنسان أشد من خزي البعد عن الله حيث يبقى الإنسان غصنا مقطوعا من شجرة وحيدا أعزل ضعيفا.
١٩٣ ـ (رَبَّنا إِنَّنا سَمِعْنا مُنادِياً يُنادِي لِلْإِيمانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ (١٩٣))
[آل عمران : ١٩٣]
النداء جواني ، وأصله العين ، وخاطرها المؤمن ، إذ أن من أسمائه سبحانه المؤمن ، وتلبية النداء فطرة لأن المعلول يتبع العلة ولا يمكنه مخالفتها ، ولذلك ورد في الحديث أن أهل الجنة يساقون إليها بالسلاسل.
١٩٤ ـ (رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ (١٩٤))
[آل عمران : ١٩٤]
الوعد حسن المآب ، وهو لقاء الله سبحانه والفوز بقربه يوم القيامة ، الذي هو يوم الشهادة والحساب والدين.