والفوز بالجنة فوز بالحقيقة ، وعندها يعلم المكاشف أن الحياة الدنيا ، أي الظهور ، أي حياة الحجب ، هي باطل ولغو ، لأن الجهل عمى ، والعمى ظلمة ، والظلمة موت.
١٨٧ ـ (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ (١٨٧))
[آل عمران : ١٨٧]
الظهر الظهور ، والنبذ وراء الظهر التعلق بالظهور ، وثمن هذا التعليق قليل ، لأن من يستغني بالظاهر عن الباطن فقير ، لم يصل إلى ينبوع العلم والمدد الإلهي.
١٨٨ ـ (لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٨٨))
[آل عمران : ١٨٨]
الفرح بما أوتوا الفرح بإضلال الناس ، والحمد بما لم يفعلوا هو من باب الضلالة أيضا ، إذ التعلق بالاسم المضل يفضي إلى حجاب كثيف لا يمكن كشفه أبدا.
١٨٩ ـ (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٨٩))
[آل عمران : ١٨٩]
ملك السموات والأرض ملك الدارين الدنيا والآخرة ، وملك الآخرة ملك الروح ، وملك الدنيا ملك المادة ، والملك قبضته وعرشه ، ولذلك ختمت الآية بالقول : (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
١٩٠ ـ (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ (١٩٠))
[آل عمران : ١٩٠]
اختلاف الليل والنهار تعاقب الظلمة والنور ، وسبق أن قلنا إن كليهما لله ... والاختلاف المجيء والذهاب ، وذلك بأن يقوم ليل المادة بنهار الروح ، كما ويقوم نهار الروح بليل المادة ، فلا غنى للفارس عن الفرس ، ولا غنى للفرس عن الفارس ، فنهار الروح نور معنوي كامل بحاجة إلى محل وسيرورة زمانية ، وليل المادة وعاء هذا النور ومحل التوجه والممارسة ، وفصل النهار عن الليل مستحيل ، لأن النهار لا يكون نهارا إلا بعد الليل ، والليل لا يكون ليلا إلا بعد النهار ، والناظر بالمنظار الكلي واجد في مستوى الفلك أن الليل هنا نهار هناك ، أما على مستوى الروح فالروح محلها المادة أبدا ، وهذا التعاقب هو كتراوح الرجلين الذي ضرب له مثل الكرسي ، وقال فيه سبحانه : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) [البقرة : ٢٥٥].
١٩١ ـ (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ (١٩١))
[آل عمران : ١٩١]
ذكر الله درجات أولها توجه العبد إلى الرب وهذا ذكر القيام ، أي يكون العبد فيه قائما