وحدها أوجدت هذا العالم ، أو أن هذا العالم وجد بالمصادفة ، وأن قوانينه نتاج صراع مادي أعمى ، وأن هذا العالم غني ، لأن غناه واضح ظاهر ما دامت العلماء تكتشف قوانينه.
وواضح أنه ليس ثمة نقطة التقاء بين المؤمنين والملحدين ، ولهذا ألحت الأديان في القول إن القلب لا العقل هو الطريق إلى الحقيقة ، لأن العقل مضلة ، له طريقان ، كل منهما سالك ، والآية تحدثت عن الفريق الثاني القائل إن الغنى للناس ، أي ظهور وإن الفقر لله أي للخفاء.
١٨٣ ـ (الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ عَهِدَ إِلَيْنا أَلاَّ نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنا بِقُرْبانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٨٣))
[آل عمران : ١٨٣]
الحديث عن المعجزة ، فالملحدون والمشركون يطلبون أن تأتي الأنبياء بالمعجزات وتضيف الآية قائلة إن المعجزة ليست سببا للإيمان ، لأنه حدث في التاريخ أن جاءت الأنبياء بالمعجزات ، فلم يتغير واقع الملحدين ، وظل هؤلاء يقتلون الأنبياء بغير حق.
١٨٤ ، ١٨٦ ـ (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جاؤُ بِالْبَيِّناتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتابِ الْمُنِيرِ (١٨٤) كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ (١٨٥) لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (١٨٦))
[آل عمران : ١٨٤ ، ١٨٦]
الموت هنا موت النفس الجزئية التي هي ظهور مؤقت للنفس الكلية ، والتي هي مخلوقة بعد خلق البدن ، أو كما عبر عن ذلك في الحديث الشريف بنفخ الروح في الجنين ، والنفس الجزئية صورة البدن ، متعلقة به ، ولا انفكاك لها منه ، تفعل فيه ، وتنفعل به ، فهي جسر بين الظاهر والباطن ، بين المادة والروح ، بين العالم والله ، وموت هذه النفس ضرورة ليتم كشف الحقيقة ، ففي حال الموت الطبيعي تموت النفس ، بموت صاحبها بسبب جهلها ، ولهذا قال الإمام علي رضي الله عنه : (موتوا قبل إن تموتوا) ، وقوله صلىاللهعليهوسلم : (الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا) ، ولهذا ألحت الصوفية على أهمية علوم المكاشفات ليعلم الإنسان موقعه من هذا الوجود وليعرف الله خالقه ، فمن أصاب حظا من علوم المكاشفات زحزح عن نار الحجاب والبعد ، ومن كشف له الغطاء دخل الجنة ، لأن الجنة هنا جنة العلم ، وسماها عبد الكريم الجيلي : جنة المعارف ، ويبلغها المكاشف وهو بعد في الدنيا ، أسوة بما عاشه عليهالسلام في معراجه إلى السموات ورؤيته الجنة والنار.