أزلا لاحتلال هذه المكانة السامية.
١٨٠ ـ (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١٨٠))
[آل عمران : ١٨٠]
ظاهر البخل خير وهو المحافظة على المال ، والمال خير لصاحبه ، وذهابه خسران له ، هذا تفسير الأمر على ظاهره ، ولكن لباطنه تفسيرا آخر فحواه أنه بالخروج عن المال يخرج القلب على شقه النفس الأنانية الداعية إلى الشح ، ونتيجة البخل تقوقع القلب وانحجابه عن الله ، ولهذا جاء في الآية : (سَيُطَوَّقُونَ ما بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ).
١٨١ ، ١٨٢ ـ (لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ ما قالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (١٨١) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (١٨٢))
[آل عمران : ١٨١ ، ١٨٢]
قولهم : (إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ) هو أعظم جهل اتصف به المحجوب الذي رأى ظهوره ، وظن أنه الأصل ، وأنه قائم بذاته ، في حين أن الله لا يرى ، وذهب بعضهم إلى القول إن الله من اختراع خيال الإنسان ، وإنه نتاج تطور تفكير إنساني تاريخي طويل ، وذلك كله ناجم عن عدم رؤية الله جهرة.
والرد فلسفي ، وإن كان الفلاسفة منقسمين فريقين ، مؤمنين وملحدين ، والفلاسفة المؤمنون انتهوا بعد التفكير إلى ضرورة رد عالم الظواهر إلى عالم غيبي هو الأصل ، وسبب هذا أنهم رأوا عالم الظواهر متغيرا متحولا لا ثبات له ، ثم إن له قوانين عرف العلم بعضها وجهل أكثرها ، وأكدت الدراسات الفلكية أن العالم كله أصله سديم واحد قديم انفجر في زمن ما فتشكلت منه الأجرام ومنها الأرض ، فالرجوع إلى واحد قديم ، ثابت غير متغير عليم صاحب قوانين ، يعد المبدأ لكل شيء ، غني لصدور هذا العالم عنه ، هذا الرجوع هو جوهر الديانات جمعاء وخاصة السماوية.
أما الفلاسفة الملحدون فلقد رفضوا التسليم بوجود هذا الواحد الأصل القديم العليم ، وبدأوا من العالم الظاهري نفسه ، لأنهم رفضوا أن يكون العقل أو الروح سابقا على المادة ، وتساءلوا من أين جاء هذا العقل ، وكيف جاء ، وما علته ، ولماذا لا يكون لهذا الواحد واحد قبله ، سابق عليه ، علة له ، ثم يكون للواحد الذي هو قبل هذا الواحد واحد آخر هو علته وسابق عليه ، ثم يتسلسل الأمر إلى غير نهاية ، حتى ينتهوا إلى ضرورة الإقرار بأن المصادفة