شَيْئاً وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٧٧))
[آل عمران : ١٧٦ ، ١٧٧]
قوله : (إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً) يعني كون الأسماء في القبضة ، ومنها حملة الاسم الضار ، فالله لا يخرج عليه شيء ، ومن أسمائه الضار النافع ، والضرر لدى التعين والتحقيق ، وأما ما قبل الفعل فالاسم في حكم الطي ، وهو لله أيضا ، وعلى الحقيقة لا يتوقف الأمر عند عدم وقوع الضر لله ، بل يتعداه إلى نفعه لأنه سبحانه قرن الضر بالنفع ، ولهذا كان الاسم مزدوجا ، وقيل هو من أسماء التضاد ، ووجه النفع حاصل من حصول الضر لأنه لو لا الضر ما وقع النفع ، ولا كان ثم حاجة إليه ، فلحكمة خلق سبحانه الضر والنفع.
قوله : (يُرِيدُ اللهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ ،) معناه أن النصر يقع في مجال التحريك ، ولهذا يقال إن الشر لا وجود له بذاته كالخير ، فالشر واقع في كرسي السموات والأرض ، أي في مجال المعقولات والمحسوسات ، ولما كان الضر شطر الاسم النافع ، فمآله إلى الفناء فيه ، ولهذا لم يكن لحملة الاسم الضار حظ في الآخرة التي هي عالم الأعيان الثابتة.
١٧٨ ـ (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (١٧٨))
[آل عمران : ١٧٨]
الإملاء هو من باب تحقيق قوى الاسم ، فالكافرون محجوبون وهذا قدرهم ، وقدرهم الحجاب والشقاء ، وتحقيق فعله الإثم.
١٧٩ ـ (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (١٧٩))
[آل عمران : ١٧٩]
تمييز الخبيث من الطيب داخل في مجال الفعل ، وقد أسلفنا القول في كيفية حدوث التميز وهو فلق المعقولات الخالصة التي لا يظهر تجريدها إلا بالتضاد ، والتضاد هو ما وصف بالخبيث والطيب.
وقوله سبحانه : (وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) معناه عدم كشف حجاب الأسماء للناس ، لأن فيه السر الأعظم الذي قال فيه التستري : إن للربوبية سرا لو عرف لبطل العلم ، وإن للعلم سرا لو عرف لبطل العمل ، فالعمل متعلق بالعلم ، والعلم متعلق بالربوبية ، والطريق مراحل آخرها الكشف ، وهي خاصة بمن يجتبي الله من رسله ، وفي القول لطيفة وهي أنه ليس كل الرسل يطلعون على الغيب ، إذ أن منهم من هو مكلف بتبليغ الرسالات فقط ، أما الاطلاع على الغيب فداخل في المكاشفات والمكاشفات أذواق ، وأصحابها هم المصطفون المؤهلون