كالكرم الذي لا يتحقق إلا بالصلة والتراحم ، والحلم الذي لا يمارس إلا عند وجود الجهل ، فهذه المعقولات خلقت لصلة الأرحام ، والممسك ماله عن الآخرين ، يمنعهم العطاء لا دعائه الملكية ، وإلى هذا الوضع أشارت الآية واصفة الممسكين بأنهم لا يؤتون الناس نقيرا ، والنقير فجوة في ظهر النواة صغيرة كالنقرة ، والإشارة إلى حقيقة الإنسان التي هي نقرة في الوجود الإلهي بين ظاهره أي العالم الحسي وباطنه أي العالم المعقول ، فسواء آتى صاحب الاسم الناس زكاة ما عنده ، أو أمسك فالأمر لله ، لأن الإنسان هو أصلا مثل فجوة بقدر النقرة في الوجود الإلهي ، وما قدر النقرة ... وما معها؟ وما إمكانها؟
٥٤ ، ٥٥ ـ (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً (٥٤) فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً (٥٥))
[النساء : ٥٤ ، ٥٥]
قضية الفعل الإلهي داخله في باب الجبروت والملك ، فالملك اقتضى وجود الدرجات ، ولكل درجات ، قال الإمام الغزالي : بعض الخلق شرط للبعض الآخر وقال أيضا : لو لا خلق البهائم ما عرف شرف الإنس ، والدائرة الإلهية تقتضي السلب والإيجاب ، ومن القطبين دارت كهرباء الوجود ، وعلى هذا فلا يجوز السؤال لم خص سبحانه آل إبراهيم مثلا بالكتاب والحكمة ، وآتاهم الملك العظيم ، فالملك لا يسأل عما يفعل ، والرعية يسألون.
٥٦ ـ (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً (٥٦))
[النساء : ٥٦]
تبديل الجلود داخل في نطاق الأسماء الإلهية وتعيناتها في النفوس الجزئية ، فالاسم خالد ، وتعينه فان باعتبار الاسم الأساس والمقوم ، وعليه فكلما نفد أجل التعيين بدل تعينا آخر ليدوم ظهور الاسم في عمله ، والكافرون محجوبون بحجاب الاسم ، فالجاهل محجوب بجهله ، فإذا استوفى جلده أجله بدل جلدا آخر ، أي توفي على الصورة التي هو عليها ، ثم عادت صورته فتعينت ثانية فيكون بذلك قد بدل جلدا آخر ، وختمت الآية بالقول : (إِنَّ اللهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً) والحكمة فيما ورد ضمان فعل القيومية الإلهية التي خلقت الأسماء ، وضمنت لها وجود مجال الفعل.
٥٧ ـ (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً (٥٧))
[النساء : ٥٧]
الأنهار العلوم التي تنفجر من عين البصيرة ، وهي العلوم الإلهية المسماة العلم اللدني الذي