المقيت المقتدر الذي يجازي كل أحد بما عمل ، والتنفيذ حاصل من كون المعلول من جنس العلة ، فله بها ارتباط غائي يكون من طبيعة ما صدر منه ، فجزاء الحسنة نصيب منها ، وكذلك جزاء السيئة.
٨٦ ـ (وَإِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً (٨٦))
[النساء : ٨٦]
رد التحية إلى الله لأنه خالق كل شيء ومالك كل شيء ومسبب كل فعل ، فله الأمر من قبل ومن بعد ، وقوله : (إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً) يعني كون الله أصل الكثرة ، فهو الواحد الأحد ، ولذلك وصف نفسه بأنه حسيب أي محاسب ، والمحاسب يعلم الصادر والوارد ويعلم الأصل والفرع ، فهو الأصل ، والقوابل الفروع.
٨٧ ، ٨٨ ـ (اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثاً (٨٧) فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (٨٨))
[النساء : ٨٧ ، ٨٨]
القيامة الحق ، والجمع إلى يوم القيامة جمع الكثرة إلى الوحدة ، فالقيامة قائمة منذ كان الوجود القائم بالواحد ، ومن غير الواحد ، لا قيام لشيء ، ولهذا بدئت الآية بالقول : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ،) والهو هوية كل شيء ، ولكل شيء هوية ، وقوله : (لا رَيْبَ فِيهِ) يعني أنه لا شك أن الناس مجموعون مذ كانوا وإلى ما يصيرون ، وبين ما كانوا وبين ما يصيرون.
٨٩ ، ٩١ ـ (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (٨٩) إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً (٩٠) سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً (٩١))
[النساء : ٨٩ ، ٩١]
النفاق التذبذب بين خواطر الأسماء ، والتذبذب أيضا في القبضة ولهذا جاء في الآية السابقة : (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً).
والهجرة الهجرة إلى الله ، أي بت الأمر بعد التذبذب ، فمن هاجر نجا لأنه صار إلى نعيم المعقولات الجمالية ، وإلا فالقتل ، والقتل هنا ظاهر وباطن ، فالظاهر قتل الجسد ، والباطن