الاختلاف سببه صدور الجزئي من الجزئي واعتماده عليه ، وقوله سبحانه في موضع آخر : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) [الأنبياء : ٢٢]. يعني أنه لا يمكن تصور آلهة في الوجود وإلا لفسد الوجود ، والقرآن صادر عن عين الجمع ، والعين جامعة للجزئيات ، فلا يمكن أن يكون فيه اختلاف لأنه كلي غير جزئي ، وكل خلاف مصدره الجزئي ، ولهذا قال سبحانه في موضع آخر : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) (٩) [الحجر : ٩].
٨٣ ـ (وَإِذا جاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلاَّ قَلِيلاً (٨٣))
[النساء : ٨٣]
إذاعة الأمر رده إلى غير مصدره حتى وإن كان أمرا من الأمن أو الخوف ، إذ كل من عند الله ، وإذاعة الأمر الشكوى منه وعدم التوكل على الله في السراء والضراء وحين البأس ، وعدم رد الأمر إلى الله هو الذي يشيع البلبلة ويقذف الشك والخوف والجبن في قلب الإنسان ، وتمضي الآية قائلة : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ ،) ويعني هذا ضرورة معرفة الصادر الفاعل الموحي الملهم ، وهذا يأتي بعد الاستنباط العلمي الفاعل الذي يكون أصله الفعل على مسرح الوجود أولا ، ثم تبرز بالتالي الكليات استنباطا من أحداث العيان.
وقوله سبحانه : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ ،) يعني أن القلب ، إن لم ينور بنور الروح ، يبقى متخبطا في ظلمات الوسوسة والخواطر ، والقلب أسير أذرع أخطبوط الوسوسة ، وهذا حال كل قلب ، حتى يجيء اليقين فينور القلب بنوره فينتبه من النوم ، ووصف هذا الحال في قوله تعالى في موضع آخر : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (٤) ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ (٥) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا) [التين : ٤ ، ٦].
٨٤ ـ (فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ لا تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَاللهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنْكِيلاً (٨٤))
[النساء : ٨٤]
كف بأس الكفار من فعل الله واختصاصه ، فهو سبحانه له جنود الخواطر شقيها وسعيدها ، فهو القادر متى شاء أن يقذف في قلوب الكفار الرعب فيهابون ويجبنون ، فيكفّ بأسهم عن المؤمنين.
٨٥ ـ (مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَمَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً (٨٥))
[النساء : ٨٥]