العلوم هي التي تكشف عن وجود الله ظاهرا بالمظاهر وباطنا في العقل وقواه ، وفي الآية المائة وثلاث لطيفة فلقد ورد ذكر الله قياما وقعودا وعلى الجنوب ، فالقيام لقيام الخلق بالحق ، وهو قوام وجودي لا غنى عنه ، إذ له الوجوب ولنا الإمكان أي القيام به ، والقعود جلسة المظهر أي تخليه عن الفعل بحصر الحواس ظاهرة وباطنة ، وفيها ينكشف سر الفعل والصفة ، فيشهد العبد أن لا إله إلا الله ، وأن الله يصلي علينا ، أي هو موصول بنا ، مثلما نصلي نحن له أي مثلما نحن موصولون به .. أما الجنوب فهي للنوم ، والنوم خروج النفس من هيكلها واتصالها بالنفس الكلية التي تريها صور الأسماء وصور الرجال والنساء وكلها معادلات علمية.
وقوله سبحانه : (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً ،) يعني أن المصلين موصولون ولهذا صلوا ، ولو لا الصلة النورانية ما صلوا بل ما وجدوا ، والكتاب الموقوت الأجل المحتوم للنفس الذي تعيشه في حال الفصل قبل تحقيق الوصل ، وفي حال القبض قبل حلول البسط.
١١٦ ـ (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً (١١٦))
[النساء : ١١٦]
الإشراك بالله أن يجعل له شريك في الملك ، والشرك باب عريض عرضه عرض السموات والأرض ، وما ينجو منه إلا من رحم الله سبحانه ، وقال العارف بالله أرسلان الدمشقي : كلك شرك خفي ، فالإنسان معتاد على أن يفصل بين الله والعالم ، وبين الله وخلقه ، وبين الله ونفسه ، وهو يجعل الخالق في السماء ، والمخلوق في الأرض ، وهو يتعامل مع الله كما لو أن الحق سبحانه وسيلة للخلق ، وقد خلق وفرغ من الخلق وانتهى ، وما يعلم أن الله على كل شيء حفيظ ووكيل وقيوم ، وهو النجوى ، وهو القوى ، وهو عقل العقول ، وهو روح الأرواح ، وهو المحرك والباعث والداعية ، ولهذا ختمت الآية بالقول إن من أشرك بالله فقد ضل ، أي لم يعرف الحق ولا الطريق إليه ، ولا قدر الله حق قدره.
١١٧ ـ (إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ إِناثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطاناً مَرِيداً (١١٧))
[النساء : ١١٧]
الإناث مثل الخواطر ، والإناث الشطر السلبي من الأسماء ، فكل الأرباب الذين يعبدهم المشرك كاعتماده الخواطر والمعقولات السلبية إنما هم في حقيقتهم إناث لأن العالم المادي كله أنثى ، وما فيه من جزئيات إناث أيضا لأنه قابل ، ولأن الله فاعل.
وختمت الآية بالقول : (وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطاناً مَرِيداً) والشيطان من شطن أي بعد ،