فاعتماد المشرك غير الله يوقعه في شرك البعد.
١١٨ ـ (لَعَنَهُ اللهُ وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً (١١٨))
[النساء : ١١٨]
الشيطان ممثل الاسم البعيد ملعون ، وفي هذه اللعنة نكتة ، فالحق شطر هذا المعقول الكلي منه ، وجعله وراء حجاب من الأسماء السالبة لكي يمارس التضاد دوره ، فاللعنة هي البعد والإبعاد ، وكل أولياء الشيطان مبعدون وهم نصيب مفروض من الناس ، ولهذا النصيب سبب ، فكل اسم يقوم قبالته اسم ، فلا اسم من غير اسم مواجه أو مناقض ، فتوجب أن يقوم في وجه أسماء الجمال عدد مماثل من أسماء الجلال حتى تتساوى كفتا ميزان الوجود ، ويكون للتضاد دوره في إبراز الجانب الجمالي ، فإبعاد الشيطان كان لحكمة ، والنصيب من العباد الذي اتخذه هو لحكمة أيضا ، إذ الضد بالضد يعرف.
١١٩ ، ١٢٣ ـ (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً (١١٩) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاَّ غُرُوراً (١٢٠) أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً (١٢١) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً (١٢٢) لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (١٢٣))
[النساء : ١١٩ ، ١٢٣]
مناه وعده الحسنى ، ووعد الشيطان الحسنى دعوة أوليائه إلى اعتمادهم أنفسهم ذاتها بمالها من قوى وعلى رأسها الفكر ، فتجد أرباب الفكر لا يذكرون الله ، وإذا ذكروه ذكروه من باب الابتداء والخلق ، ثم جعلوا بينه وبين العالم جدارا من أنفسهم وإرادتهم واختيارهم.
وقوله : (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ) يعني قطع آذان النفس الحيوانية بجرها بعيدا عن سماع صوت الحق من داخل القلب بالنجوى ، فيكون لخاطر الوسوسة الغلبة على الخاطرين الإلهي والملكي.
وقوله : (فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ) يعني تحويل القوى الإلهية إلى إنسانية ذاتية نفسية ، فقوى النفس مودعة أصلا فيها إيداعا ، وفعلها وتحركها وممارستها قواها هو كله فعل إلهي يقوم به الروح ، والنفس تفعل ذلك بواسطته ، وعند ما يغير الشيطان هذا الخلق فهو كمن يسرق ملكا ليس له ، ويمارس إمكانات ليست من صنعه ، وكيف يستطيع الإنسان أن يفسر سر ممارسة قوة كالذاكرة دورها وهو لا يعلم ماهيتها ولا عملها ، ولا كيف تتم عملية التخزين في الدماغ؟ وكل التجارب التي أجريت والدراسات النفسية والتشريحية لم تستطع أن تكشف النقاب عن حقيقة