لما كانت الأسماء جميعا لله ، والخواطر قبضته ، ولما كان الله خلق الجنة وجعل لها أهلها وهم في أصلاب آبائهم ، وخلق النار وجعل لها أهلها وهم في أصلاب آبائهم فالنتيجة أن هذا التقسيم بين النار والنور هو من فعله تعالى ، وفعله لحكمة فهو الحكيم العليم بما يخلق ويفعل ، وعلى هذا فالحق لا يحب الجهر بالسوء من القول من أحد إلى أحد ، لأن الفعل لله أولا ، ولأن الحكمة تقتضي التضاد ثانيا ، ولهذا كان الحلم سيد الأخلاق وخلق الأنبياء ، وقال ابن عربي : من جابه أحدا بسوء ، وإن كان حقا ، فإنه يدل على سوء الطبع.
١٤٩ ، ١٥١ ـ (إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً (١٤٩) إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً (١٥٠) أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (١٥١))
[النساء : ١٤٩ ، ١٥١]
قارنت الآيات بين العفو الإنساني والعفو الإلهي وذلك إشارة إلى أن هذا العفو من ذاك ، وأنه لو لا أن الله وضع في القلب هذه الخلة ما اتصف القلب بها ، وفي الآيات إشارة ثانية وهي التخلق بالأخلاق الإلهية فيكون الحق هو الفاعل بواسطة الخلق ، إذ أن الآية ختمت بوصفه سبحانه نفسه بالقدير ، والقدير من القدرة التي هي إحدى الصفات الإلهية السبع.
١٥٢ ـ (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (١٥٢))
[النساء : ١٥٢]
عدم التفريق بين الرسل سببه الحقيقة المستسرة في كل من الرسل وهي الحقيقة المحمدية التي هي النجوى والهدى.
١٥٣ ـ (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ فَعَفَوْنا عَنْ ذلِكَ وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً (١٥٣))
[النساء : ١٥٣]
سؤال أهل الكتاب موسى أن يريهم الله جهرة هو من الكبائر ، لأن الله نور ، والنور لا يرى جهرة ، لأنه هو أصل الوجود العياني ، والوجود العياني هو الذي يرى فيستدل به على النور ، ولهذا وصف الإمام الغزالي النور الإلهي بأنه معنوي ، أو هو عقل فقط ، ثم قال : إن النور اللطيف والنور الحسي مشتقان من هذا النور.
واتخاذ العجل عبادة أصنام مظاهر الصفات علما أن موسى دعا إلى تجاوز هذه المظاهر كما فعل إبراهيم عليهالسلام ، والسلطان المبين الذي أوتي موسى هو قلبه العصا حية ، أي