الخطاب موجه إلى أهل الظاهر ، أي إلى الكثرة ، ورمز إليهم ببني إسرائيل الذين عبدوا المظاهر عند ما اتخذوا العجل الذهبي إلها والعجل ولد البقرة ولما كان عجلا ففعله مازال بالقوة .. والإشارة إلى ما للعقل من قوى وإمكانات مركوزة فيه ، وما إن يراهق العقل البلوغ حتى تمارس هذه القوى عملها ، والسؤال هو : من أين أتت هذه القوى ومن الذي ضمنها العقل؟ إننا نرى ظاهرة الفكر الإنساني الذي تميز به عن بقية المخلوقات ، وبه ساد الإنسان العالم ، ولكن عند ما يرد الإنسان عقله إليه فقط ، غير معترف بالله له خالقا ، فإنه يكون من أهل الحجاب ، ويكون مثل خراف بني إسرائيل الضالة.
٥١ ، ٥٣ ـ (وَإِذْ واعَدْنا مُوسى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (٥١) ثُمَّ عَفَوْنا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٥٢) وَإِذْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَالْفُرْقانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (٥٣))
[البقرة : ٥١ ، ٥٣]
الأربعون ليلة مدة الخلوة التي يدخلها المعتكف فيخرج منها عارفا بالله ، وفيها تلقى موسى ألواح المعرفة الإلهية والحكمة.
٥٤ ـ (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٥٤))
[البقرة : ٥٤]
حذر موسى عليهالسلام قومه من اتخاذ العجل إلها يعبد ، وذكرهم بالبارئ الذي يبرئ الإنسان مما يضله ، وقال سبحانه في موضع آخر : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ) [التوبة :١١١] ، فهذه اللطيفة هي الوديعة التي استودعها الله الإنسان ، وهي العارية التي أعاره إياها ، فنفسك ليست لك ، وإن بدت أنها لك ، وأنت لست لها ، وإنما أنت مخلوق لتعبد الله وتعرفه من خلال نفسك.
٥٥ ، ٥٦ ـ (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٥) ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٥٦))
[البقرة : ٥٥ ، ٥٦]
قضية رؤية الله جهرة ، أي عيانا ، من أكبر القضايا التي فصلت بين المؤمنين والكافرين ، فلو لا هذه القضية ما كان هناك مشكلة أصلا ، فلو كان الله يرى عيانا لبت الأمر وقضي فلا خلاف ، والأصل في أن يكون ثمت خلاف.
والصاعقة التي أخذت القوم من الصعق ، أي الإبادة ، والإشارة إلى باطن الأمر الذي لو كشف لعرف معنى قوله تعالى في موضع آخر : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) [الزمر : ٦٨] ، فالصعق باطن الأمر ، وهو دائم ، ولكنه مستور لحكمة.
٥٧ ـ (وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما