١٧٣ ـ (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا وَاسْتَكْبَرُوا فَيُعَذِّبُهُمْ عَذاباً أَلِيماً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (١٧٣))
[النساء : ١٧٣]
العبودية مقام برزخي يكون الإنسان فيه هيكلا حاويا للروح ، هذا على مستوى العيان ، إذ ليس في الإنسان إلا الحقيقة الروحية ، فالإنسان مظهر الله ، ولهذا وصف سبحانه نفسه بأنه الظاهر والباطن.
وظاهر المسيح إلهي ، ولهذا قال الإمام أبو الفضل القرشي : يمكن أن يكون المراد أن اللاهوت ظهر في المسيح ، وهذا لا يستلزم الكفر ، وأنه لا إله إلا الله ، وقال عباس العقاد : جاء المسيح بصورة جميلة للذات الإلهية.
وقوله سبحانه : (وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) يعني الأسماء نفسها التي هي معقولات صرفة ، وكلها إشعاع لله وليست هي هي ، ولهذا ختمت الآية بالقول : (وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً) وهذا أمر واقع بالضرورة وبصورة تلقائية ، لأن الإشعاع يقتضي الصدور الدائم ، أما الحشر فهو العكس ، إذ الحشر جمع أي قبض ، وهذا واقع أيضا باعتبار الأسماء في القبضة ، والقبضة يمين الله النورانية الفاعلة.
١٧٤ ، ١٧٥ ـ (يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً (١٧٤) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً (١٧٥))
[النساء : ١٧٤ ، ١٧٥]
البرهان العقل ، فما تميز الإنسان عن بقية المخلوقات إلا بالعقل ، ومع هذا لقد سطا الإنسان على هذا الملك الإلهي ، وعده من ممتلكاته دون أن يتساءل ما العقل ، وكيف وجد ، وكيف يعمل ، ولقد وقفت الأبحاث الطبية والنفسية عاجزة أمام محاولة كشف الغطاء عن دينامية العقل ، وكيف تحول المعلومة البصرية مثلا إلى إدراك ، ولا كيف يتم الإدراك ذاته ، فالإنسان وجد لديه آلة حية تعمل فاستعملها ناسيا أو متناسيا أصلها وماهيتها ، ولهذا ختمت الآية بالقول : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً) باعتبار أصل العقل نورا ، وباعتبار القرآن نورا.
١٧٦ ـ (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٧٦))
[النساء : ١٧٦]