تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً (١٧١) لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً (١٧٢))
[النساء : ١٧١ ، ١٧٢]
الكلمة الروح الصادر عنه سبحانه ، والمسيح ممثل الروح وتعينه ، وقوله : (أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ) يعني أن الروح ملقى في النفس الكلية أو النفس الجزئية ، إذ الروح المكلم بكسر اللام في كل إنسان.
وقوله : (وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ) هو النهي عن أن يكون في الوجود من وجود حق إلا الله سبحانه ، فأسماؤه سبحانه لا هي هو ولا هي غيره ، وقالوا في الروح أيضا إنه ليس الله وإنه ليس شيئا آخر غير الله ، فما يصدر عنه سبحانه هو تماما مثل صدور أشعة الشمس عن الشمس ، ولهذا لجأت الحكماء الإلهيون والصوفيون إلى استخدام هذا التشبيه لوصف الصدور الإلهي عنه.
فالأسماء ليست الله لأنه سبحانه له الوجود الصرف من قبل التعيين ، والأسماء هي الواسطة بينه وبين التعين ، فهي الجسد والبرزخ ، وهي حضرة الخيال التي وصفها ابن عربي ، وهي موجودة به ، وقيوميتها منه واستمرارها بدعمه ، ومع هذا فهي ليست هو لأنه سبحانه منزه حتى عن صفاته ، وهذا التنزيه هو ما يميز الصوفية عن بقية الفرق القائلة بالحلول ، أي أن يكون الله هو الوجود العياني كما يدعون.
ويأتي التعين في الدرجة الثالثة وهو وجود النفس في البدن ، وهو وجود للظهور ، ولهذا طلب المادة وكثفها من اللطيف ، وصاغها في صورة ، وأبرزها عيانا ، وهذا الوجود أيضا حق ، ولكنه إضافي نسبي قائم بغيره ، ولا وجود له بذاته.
وعلى هذا فالله واحد أحد ، وقول النصارى إنه ثالث ثلاثة يعني إثبات وجود آخر غير الوجود الحق ، وهذا كفر ، لأنه ستر للوجود الحق وحجاب.
أما حديث الولد فلقد ورد عن الغنوصيين الموحدين هذا القول ، لكن قولهم كان من باب الإشارة إلى الصدور أيضا ، لا أن يكون شيء خرج من شيء ، وانفصل عنه ، وقام بنفسه فهذا مستحيل ، وكل الوجود العياني يتلاشى ويتبدد في أقل من لمح البصر إذا ما رفع الله قبضته عنه ، ويضرب لهذا مثل في العلوم الذرية بأن يكف جذب البروتون للكهارب السالبة الدائرة حوله بفعل جاذبية غامضة لم يعرف سببها بعد ، فإذا كل ما في الكون يتفكك ويتطاير ويتبدد ، ويقع هذا كله في زمن قصير لا يعي الإنسان نفسه فيه ما حدث لقصره.