وعلى الحقيقة ليس في الوجود إلا الوحي ، فالله سبحانه يوحي إلى الحيوان والنبات والجماد كما قال : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً) [النّحل : ٦٨] وكقوله : (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ) [القصص : ٧].
والوحي النبوي هو أرفع درجات الوحي ، ويسمى الوحي القدسي ، لأنه وارد من جناب القدس المقدس عن أن يكون في حيز فيحبسه ، ولكنه يكون بالمعية بالنجوى والمكالمة كما قال سبحانه : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ) [الحديد : ٤] ، وهذا الوحي هو الكاشف للغطاء من عين البصيرة ليتم الدخول في فلك الملكوت ، وبدؤه على التحديد الدخول من باب الخواطر نفسها ، وقصده ضم خاطري النفس والوسوسة إليه لأنه هو القاهر فوقهما أصلا ، ولأن إبليس ما فسق عن أمر ربه بغير إذن ربه ، وفسقه له دور كالدور الذي يلعبه تحريك النفس كما قال ابن عطاء الله ، فالوحي النبوي القدسي هو وحي علمي سمي العلم اللدني ، وصاحبه جبريل ، ودروسه الأسماء وصور العين والعيان ، وبواسطة هذا الوحي يتم تعليم العبد المصطفى.
ويلحق بالأنبياء الأولياء المحققون العارفون الذين يكلمهم الله ، ويتمثل الروح لهم ليعلمهم ، لأن الرسول عليه الصلاة والسّلام قال : (علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل) ، وقال : (إن الله ليبعث على رأس كل قرن من يجدد لهذه الأمة أمر دينها) ، ولهذا جاء في الآيات قوله : (وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) ولقد اختلف في العبد الصالح الذي لقيه موسى عند مجمع البحرين ، وفي ذي القرنين ، فيما إذا كانا نبيين ، ومع هذا فلقد علم العبد الصالح موسى علم التوحيد ، ولقد فتح القرنين الأرض شرقا وغربا ، وحكم في الأرض بحكم الله.
١٦٩ ، ١٧٠ ـ (إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً (١٦٩) يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٧٠))
[النساء : ١٦٩ ، ١٧٠]
قوله سبحانه : إنه لا يهدي الظالمين طريقا إلا طريق جهنم يعني تسليط اسم من أسمائه تعالى على قلوبهم ، وهذا داخل في باب الوحي أيضا ، إذ أن لكل اسم وحيه ، ومن هذا الوحي يكون الخاطر الذي هو خروج ما هو بالقوة إلى ما هو بالفعل بواسطة الخاطر.
١٧١ ، ١٧٢ ـ (يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا